132 - زوجي حلالي ، وحبيبي حلالي ، حتى لو كان حراما 💓💓

 

  

     زوجي حلالي ... وحبيبي حلالي، حتى لو كان حراما. ..!!       

 

1 – المصير والمأساة

تعرفت اليه خلال  الدراسة الجامعية، انا ادرس التاريخ ، طامحة بعد التخرج ان  أعمل  مدرسة، باحدى ثانويات  المدينة، اما هو كان ضابطا  بوحدات الإنزال المظلي، يدرس  الحقوق والقوانين، ويقول ادرس  بالجامعة تثقفا لا غير، ويضيف وتحسبا لقرصات الزمان، نحن الضباط ، لا نعرف الاستقرار ببلدنا، نتأثر بتبدل الحكام والقادة ، انقلاب عسكري  قد يرقينا وقد يلقينا بالطرقات بلا دخل او عمل، حتى لو لم نكن سياسيين  وانما فقط  مقاتلين في سبيل الوطن،  فلا نضمن ان القائد الحاكم او الحاكم القائد راضيا عنا او غير راض ، بل أحيانا يكون راض ولسبب ما  لا يعود راضيا ، لذلك لا بد من شهادة علمية تفيد مستقبلنا غير المضمون، وان ضرب الحظ  معنا  قد نعين بمنصب رفيع، محافظا او وزيرا  اوربما رئيسا للوزراء، فالدراسة ضرورية على كل الوجوه.

 من يدري...؟؟  قد نقود انقلابا ونحكم. فلا بد من شهادة  تسهل تطورنا الوظيفي والعملي والقيادي ...  نستند اليها  سواء سايرنا الحظ   أو عاكسنا ورمينا بالطرقات.

من يدري...؟؟ قد نموت او نستشهد، قبل ان يطل صباح جديد علينا.

رغم ان بكلامة حالة عدم استقرار نفسي واضحة، الا انه كان يطرحه بروح  مرحة، لا تجرح اعجابنا بمتانة ثقته بنفسه وذاته واعتزازه بكرامته.

كان شعلة  من الحيوية، والعافية البدنية، والروح الاجتماعية، وبما انه بالخدمة العسكرية فحضوره  غير مستقر. يطل علينا بين حين وحين  طلة قمر بعد كل محاق.

حصل التعارف الأول  ببوفيه  الجامعة مع عدد من الزملاء والزميلات، عرفتنا عليه  احدي الصبايا فاهله من معارف اهلها، كان كثيرا ما يحضر ببدلته  العسكرية المموهة، والبيريه الخمرية الغامقة المخصصة للمظليين، مائلة فوق راسه، بغواية مقاتل يعتز بنفسه،  فيغدو بجو الجامعة كالعَلمِ على رأسه نار، ترنوا اليه الأنظار، ما ان يحضر حتى يمتلك الجلسة بمرحه وحيويته وبداهته، وحلاوة نكتته ودماثة حديثه، كان يجذبنا  شبابا وصبايا. خاصة الصبايا، حتى صرنا نتنافس عليه، وتشكل بيننا ما يشبه التفاهم الضمني،  كنا ثلاثة صبايا بالشلة نملك الحق بالزواج منه، شرط ان لا نتخاصم، بل نرضى باختياره، ونبارك لمن يختارها، بل نتضاحك احيانا  ونقول  نحن ثلاثة ويحق له شرعا أربعة لنبحث  له عن رابعة تشاركنا به، اعجبتنا الفكرة لاننا هكذا لا نفترق طوال حياتنا، ونغرق بالخيالات والتضاحك، كيف يجمعنا ويلمنا  ويداعبنا. ثرثرات نسوان عتيقات وان كنا بعد طالبات جامعيات.

احيانا كان يأتينا وقد انهى احدى القفزات المقررة لكل مظلي، يومها يجلس ساكنا هامدا، حتى صرنا نعرف  انه قفز من هدوئه وهموده ، فنبارك له بالنجاح والسلامة، يرد،عادة  ما ان تطأ قدما المظلي المسقط او النازل، الأرض حتى ينتابه إحساس بالنشوة والنجاح، لكن صدقوني  مذ عرفتكم  لا ينتابني هذا الإحساس الا لما القاكم، فما ان تتوفر لي الفرصة بعد القفز،  حتى اسارع اليكم بحالتي الميدانية تقريبا وثياب العمل ، انظروا  حذائي كم هو  معفر ومغبر.

يوما ما، كنا بنهاية جلستنا، كان الوقت مساء، خرجنا كل يقصد بيته، فاجأني وقال

 اتسمحين ان ارافقك لبيتك.

 اعتقدته يمازحني، قلت اهلا، وتابع السير معي بالطريق المؤدي  لبيتي، ادركت، اذا انه  لا يمزح، فعدت اكررترحيبي به. ونحن بالطريق قال

 ساشكوك لابيك.

 استغربت..؟؟ واحترت أيضا، اجبته

اهلا بك بالبيت ضيفا كريما وليس رفيق طريق فقط ، لكن على ماذا ستشكوني...؟؟

قال هذا سر، لدي ما يكفي لاشكوك له.

 فاجأني كلامه، ما بين المزح او الجد، بل اوشك ان يقلقني، مع ذلك اعرف نفسي ، لا غبار  ولا خفايا  عندي، قلت موافقة

 تفضل واشكني.

 وهكذا توجهنا لبيتي  تنتابني بعض الحيرة والإستغراب...؟؟!!

دخلت البيتَ، ودعوته  للدخول، واجلسته  بغرفة الاستقبال، وتوجهت  اسال عن ابي، اخبرته ان زميلا لي بالجامعة يريد ان يشكوني لك، ضحك والدي .

وقال أعرف شكواه وماذا سيقول.

 واقتربت مني أمي وهي تبارك لي وتقول، هو قادم ليطلب يدك.

أُسقط بيدي، أبهرتني المفاجأة، لم تخطر ببالي، اذن انا من اختارهَا، وبلحظة... غدا ضابطا، وساحرا، وعشيقا، وحبيبا، وربي على الأرض . ليلتها عرفتُ انوثتي كما لم اعرفها سابقا...تفجّرتُ وكانني عروسة بليلة دخلتها .

تزوجنا، وخلفنا ولدين  صبيا وابنة ، أقمنا ببيت مأجور، هو موعود ببيت ملك من  مؤسسة الإسكان العسكرية التي  تهتم  بمشاريع تأمين  المساكن لضباط وصف ضباط وافراد الجيش، لكن الوقت مبكر جدا لدوره، عليه ان يسدد من راتبه ما يكفي من اقتطاعات شهرية، حتى يستلم بيتا  حسب الدور، البيت مضمون، أنما بعد زمن طويل نسبيا.

سارت حياتنا بفرح، وانتظام وهدوء ، تلمنا وتجمعنا محبة غامرة ، مليئة بفيض من  المشاعر الجياشة، ومشحونة بالحنان والتوق  والشهوات، نقطف ثمار عشقنا، قطف فلاح زرع  فاثمر زرعه ، ثمرا  سكريا ناضجا لذيذا.

كان غيابه  عن البيت أكثر من حضوره لأنه عسكري ، ومع غيابه يتصاعد الشوق وتزداد لوعة الغياب، وبحضوره تغزونا اللهفة، لا نكاد نصدق كيف نتلاقي ونتحاضن ونتقابل ونتبادل  القبلات ، حيث كان يغزوني  بقبلاته، غزو عطش وجوع،  واهاجمه باشواقي وقبلاتي بتصميم صارم لا يتراجع ، يقبل يديّ  وعنقي وآذاني  ورأسي وشعري، أقول له ارفعني لاقبل جبينك العالي، فيحملني بين يديه، كاني طفلته، الامس شعره، واقبل جبينه ووجنتيه، اغازله  الغزل الذي يستحقه ضابط شهم مقدام، فاقول له اعزُّ واغلى ما فيك، جبينك العالي ورأسك المرفوع وشهامتك التي لا تدانى، لأنني هكذا يعلو رأسي وترتفع هامتي وتزداد معزّتي لك وعزّتي بك.

فيرد ويقول انت الجمال ، وانت الكمال، انت ملهمة عزتي وسبب نبلي ومبرر شهامتي، اعشق جمال جسدك لحلاوته، وبوح قلبك لصدقه، ولمسات يديك لدفئها، لكن لجمال عزتك ووفائك وحنانك رونقه الخاص، وهو تاج جمالك، وعقد ارتباطي بك وارتباطك بي .

حياة من المحبة الزوجية الغامرة، التي قل مثيلها، ساهم بنشوئها، هيامه وغرامه بي، وهيامي وغرامي به ، صار دمه دمي ودمي دمه ، وامتزجت  خلايانا  امتزاج حياة وتكامل .

كنا ندرك ان محبتنا  حالة مميزة ، ليس كل المتزوجين مثلنا، كما اننا لسنا مثل كل  المتزوجين، كان هذا الادراك مصدر فخرنا وسرورنا ورضانا النفسي الغامر .

غمرتنا سعادة لا توصف ، وراحة بال واطمئنان ، واشواق لا تضاهى، وانعكس  ذلك على طفلينا، إحساسا بالأمان، وعافية بدنية .

لست وحدي من  وقعت بشرك محبته ، بل أبي أيضا، احبه  محبة الاب لابنه ولربما اكثر ، بحضوره لا بد لابي وامي  ان يرونه ، فياتيان الينا زائرين او تسبق امي ابي وتقول له ساساعد ابنتي لان زوجها ات اليوم .

غدا محل  ومحور ثقة والدي واخوتي ، مما عزز سوية  استقرار الجميع النفسي والحياتي، خاصة ان العسكري  بمجتمعنا بشكل عام ، والضابط بشكل خاص، يوحي لمن يرافقه انه محمي بحضوره مما يزيد اطمئنانه واحساسه بالامن والأمان، فكيف لاهله وذويه، خاصة اذا كان ذو شخصية  قيادية  وقوة حضور. كشخصية زوجي الجاذبة.

ما كنت لاغار عليه، ليس لانني لست انثى غيورة كباقي النساء بالعالم، بل لثقتي بمستوى محبته  لي، ولنبله وصدق وفائه، فكنت واثقة ان أية امراة اخرى لن تنافسني عليه.

هكذا سارت  حياتنا ونمت عواطفنا  وتطورت مع تتالي أيامنا بيننا ومع ولدينا، وقد حسم الامرقائلا انه لا يريد أولادا اكثر، قال  يكفينا  اثنان لنربيهما ونعلمهما افضل  تربية وتعليم نستطيعه بامكانياتنا.  

       تتأثر حياة الوطن بالوضع العسكري القائم بين بلدنا والعدو الإسرائيلي. وهو وضع قابل للتفجر دائما. لذلك اعتادت بلادنا على نشوب حروب متتالية  بين جيشنا وجيش العدو الإسرائيلي. وهي حالة تتطلب الاستعداد الدائم والجاهزية الكاملة. وقد كان مقدرا أن يتم تكليف زوجي يوما ما بمهمة  خلف خطوط العدو.

بهدوء الليل قفز بالمظلة مع اثنين من زملائه صف الضباط ، من طائرة شراعية صامتة، وافادت المعلومات، أنهم نجحوا بالوصول لموقع النزول، وبدأوا التحرك باتجاه الهدف، ثم انقطع التواصل معهم ولم يعد يعرف مصيرهم.

ووقعت فاجعتي، بين ليلة وضحاها، خسرت الحبيب، ورب اسرتي وأب أولادي وراعي حياتي وعمري ومالك جسدي لا أعرف أميت هو ام حي . وبدأت رحلة الشقاء، يشاركني بها امي وابي  ووالديه  ومسؤول بوزارة الدفاع، وقيادة اركان الجيش،  وبعض السفارات، ومنظمات من الأمم المتحدة، الكل يبحث ويتواصل عبر العديد من القنوات على أمل ان نحصل على معلومة تدلنا على المصير الذي آل اليه، أهو ميت أم حي؟؟ أهو أسير  أم حر يتخفى؟؟  أهو جريح يعالج  وأين..؟؟ لم تصلنا من العدو أية إجابة شافية، رغم انه بالاراضي التي تحت سيطرتهم  إلا  / سنبحث وندقق ولما تتوفر معلومات جديدة سنخبر الجهات الدولية عنها / ...

فقدنا  الاستقرار...

 فقدنا الفرح وبهجة الحياة ...

فقدنا رونق  العواطف والأحلام...

بردت اجسادنا ..

كبرنا قبل الزمن...

تشتت افكارنا...

أُرْهِقنَا...

تراجع نشاط الولدين بمدارسهم ...

حلق القلق بسماء بيتنا، ولم يغادرنا...

كانت فسحة الامل الوحيدة، تاتينا من صديقه  الضابط المظلي أيضا، وهو من دورته وبرتبته ، وصديقه  بالثانوية والكلية الحربية  والخدمة بسلك المظليين، وكانوا يسمون انفسهم  عقبان السماء، وذئاب الأرض، يطلقون النار وهم معلقون بحبال مظلاتهم، ويطلقون النار واقدامهم راسخة على الأرض، دافعهم الأهم  كرامة الانسان ومحبة الوطن، والاستعداد للتضحية في سبيله، كنت انا واولادي  الضحية الأضعف...لولا فسحة الامل التي شكلها  لنا اهتمام صديقه بنا،

 يزورنا

 يشد أزرنا...

يلبي مطالبنا...

يرعى الأولاد...

يشجعهم...

يفسحهم...

 يرفع من معنوياتهم

 مما ساهم بإصلاح حالتهم النفسية، وخفف عني وطأة ضياع حبيبي وراعي حياتي، لم يفارقنا  الرجل كلما أتاحت له ظروف الخدمة يطل علينا ويهتم بنا، صار نافذة  الامل  لدى الأولاد،  يحبونه، يفرحون بوجوده، بل يرتاحون لاحاديثه وتوجيهاته، فيخف قلقهم، صار ولفا  لهم ، وسندا لي، اعتمد عليه، اطمئن بوجوده ، ان هناك من يهتم بي وباولادي وبحالتنا المعنوية المرهقة .

صرنا نقلق عليه ان تأخر، وان عرفت انه قادم استعد لحضوره ، احضر طعاما  وضيافة خاصة واحيانا احضر لائحة بالمساعدات التي ارجوها منه... صار ينتابني عليه خوف من التعرض لمصيرمشابه  لمصير زوجي وحبيبي .

غدا بالنسبة للولدين  راعيا  وصديقا يعتمدان عليه ويطمئنان اليه، يجدان  فيه المثل المساوي لابيهم، وبالنسبة لي غدا رجلا مهما، بحياتي وحياة اسرتي ، كنت باعماقي  أقول غدا يتزوج  ويتوزع اهتمامه بيننا وبين اسرته، لن يستمر اهتمامه  بنا ابديا. فأقلق وأُستعدُّ ليوم  يجب فيه ان اعتمد على نفسي لاكمال بناء حياتي وحياة اسرتي . بل كانت هذه  الفكرة انه سيتزوج يوما ما، ونخسر اهتمامه، تسبب لي غصة بنفسي ، مما يثقل احساسي  بصعوبة المسؤولية التي عليّ تحملها بالمستقبل، وحيدة  بدونه.  اكره ان افقده حتى  لو تزوج.

صارت المسألة  تنال حيزا من تفكيري، وقلقي، فاساله  متى سنفرح بك، اوألن تعرفنا على عروسك، سؤال باحثة عن جواب سلبي يخفف قلقي، يكتفي بالنظر لي بأمعان  ويقول، ليس قبل ان أتاكد من مصير صديقي ...!! جواب واضح وغامض بقدر وضوحه  لا يفهم منه لا موعد لزواج ولا لعروسة مختارة، بل يطرح سؤالا  لماذا يربط زواجه بمصير صديقه ...أمر غريب، أو هكذا وجدته  لكنه بالعمق أرضاني لانه، لمّا نعرف مصير زوجي وحبيبي، تكون  كثيرا من الأمور قد حلت، وانحل غموضها وأصبحت  واضحة وجلية ، تحليل عقلي وفكري ونفسي يعني الكثيرلي ولا يعني شيئا. لان مصير زوجي غدا وهما، وبخارا لا يمكن ان نمسكه. وبحساب مامر من اشهر تجاوزت  السنة  لم يبق لدينا الا امل واحد ان يكون العدو يكذب .

غياب وفقدان زوجي، لم يقلقني ويوهنني ويخلق  ماساتي والامي واحزاني وحدي فقط ، بل والداه  شاركاني مشاعري، اضافة لهمومهما الخاصة وقد تقدم بهما العمر، وغزتهما امراض التقدم بالعمر، وهموم الحال،خاصة ، فداهمهما  الحزن والاسى  والامراض .

كان ابوه مزهوا به، مرحا سعيدا ، فخورا نشطا، حيويا محبا  لحفيديه، لا هم له الا زيارتهما وتدليلهما وملاعبتهما . يقول لي  أحيانا استيقظ  من نومي وليس بذهني الا الشوق لهما فلا اصبر، أقول لزوجتي انا خارج، وبالطريق تقودني قدماي اليهما، فأجد نفسي اطرق بابكم ، اروي نفسي من ظمأ شوقي اليهما ... ولما اعود وتعرف زوجتي اني زرتكم  تنهرني وتغضب مني ولا تكلمني لاني لم اصطحبها معي، ابذل جهدا لارضيها ، معها حق ... معها حق ..فكما احبهما  هي أيضا تحبهما وتشتاق لهما.

كان طبيعيا ان اهتم بهما أيضا ، فهما وحيدان ، الابن الثاني مغترب وبعيد ولا ابنة لهما ترعاهما، فاصطحب ولديّ اليهما واقوم بتنظيف بيتهما  وتحضير طعام بالتعاون مع امه  بمحاولة مني  ان اخفف عنهما هم الكبر، وهجرة ولد، وفقدان الاخر.

وتتالت السنون، سنة تتلوها سنة، وكأنها تركض وتجري، الغائب غائب، والمفقود مفقود، وكلما زاد عداد سنوات الغياب والفقدان كلما زاد  اليأس  ببقائه حيا،  ووهن الامل  بعودته،  فقدنا كل امل في عودته ، كأننا استسلمنا  للواقع دون ان نتحرر من الاحزان والالام  ووهن وامراض الزمان وشيخوخة الايام.

في احد الايام، كان حماي بالطريق خارج البيت، لعله كان مشتاقا لرؤية احفاده، صدمته سيارة  فاردته ملقى على الأرض  متوفيا، يبدو انه كان تائها بفكره وهمومه فلم ينتبه للعربة  فكأنه رمي نفسه أمامها، هذا ما رواه السائق، هو فقد حياته وابتلي السائق بالحبس، سامحناه وصالحناه لأننا كنا مقتنعين ان سبب الحادث ليس اهمال السائق، بل شرود حماي...

بوفاته غدت حماتي ام المفقود وحيدة، قلقة، مربكة، وخائفة، تتراكم احزانها ومخاوفها مما زاد من مسؤوليتي حيالها ، لكنها لم تعش كثيرا بعد وفاة زوجها  حتى فارقت الحياة هي أيضا.

بذلك لم يبق من اهله الا اخاه المغترب والبعيد، والاني انا وأولاده .

  بعد عدة  سنوات عجاف ، من فقدان زوجي  او ضياعه بين السماء والأرض، لا اعلم اهو بعلياء السماء ام باعماق الأرض، زارني أبي وقد اثقله همي، فسرع وهنه ايضا. استقبلته بالحفاوة والمحبة والاحترام الذي أكنه بنفسي له، قال يخاطبني

  الى متى يا ابنتي

 بداية لم أفهم مقصده،  قال فلان...؟؟!! يقصد صديق زوجي

 سألت ما به...؟؟

 يطلب يدك للزواج.

 صدمت...!! لا اعرف ماذا انتابني لحظتها.

 صرخت صرخة من أعماق روحي لالالالالالالالالالالا،

 زوجي ما زال حيا

 أراهُ...

أحس به...

أسمعهُ

 سيعود يوما

واما فلان /أقصد صديقه / فاليتزوج من يريد، لكن لست انا...

قال أبي  يا ابنتي اسمعيني...

  أنت بحاجة له، لولاه كان وضعك ووضع طفليك اصعب، لقد صانكم الرجل وحفظكم ، وغياب زوجك قد طال،  ولا اثرٌ يدلنا  لا على حياته ولا على مماته ...تعقلي يا ابنتي  الحياة أقصر مما تتصورين، هذا نصيبك ان يضيع زوجك، وهذا نصيبك ان يرعاك صديقه  انت وولديه، وهذا نصيبك ان يطلبك للزواج ...فلا تمانعي،  انا ابوك  انصحك ان تقبلي وتوافقي من اجلك ومن اجل ولديكما،  اخشى لو رفضت اليوم،  وبعد سنوات  تكوني مضطرة لقبول غريب عنك وعن زوجك وعن الولدين، هو يعرفه،  وولداك  اصبحا مرتبطين به، صار افضل بديل عن ابيهم.

 ارجوك اقبلي  لأغادر هذه  الدنيا مطمئنا  عليك وعلى حفيديّ...

بقيت أردد دون  إدراك أو تحكم  بنفسي ...

لا ...لا ...لا 

قال اذن لم يعد لازما ان يستمر الرجل  بالحضور، الزواج أفضل ستر وساتر، وما قبلناه بالسنوات السابقة منذ فقدان زوجك لم يعد ممكنا الاستمرار بقبوله.

 قلت ليذهب، لا أريده سأغلق ابوابي بوجهه...

 قال ابي لا تتسرعي ستغلقي الابواب بوجه ولديك فقط...لانهما من سيفتح له الباب لو اغلقته... لن أقول  اكثر،  سأعطيك فرصة للتفكير ولما أعود أتمنى ان تعطيني قرارا بالموافقة...

ووجدت نفسي  اسال  ابي وإن عاد زوجي ...؟؟ !!

سكت أبي وزفر زفرة من أعماقه ، وقال يكون القدر قد كتب  نصيبك على صديقه، ليبحث هو عن زوجة أخرى...

قلت أخنقها... قال ابي  قولي كلاما عاقلا ...

وعدت أسأل وماذا عن الولدين...؟؟ !!

  أجاب ابي  الولدان  تعودا  عليه وهو  متعلق بهما...

قلت وماذا لو خلفت له اولادا...؟؟ !! 

رد تصيرين أم الكل  والكل برعايتك...

هدأت قليلا ...سادني صمت وسكون وسكووووت، لكنه ليس علامة القبول بل علامة الاستسلام ...

قلت امنحني  مهلة للتفكير ...

قال معك كل العمر، لكن لا تتأخري، حتى تصيري عجوزة، الفرصة أيام...هو يستحق صبية...وليس عجوزة...

أبي معه حق، لم اجد جوابا لهذا  الكلام سوى اني  قلت  عدة أيام وأعطيه  رأي القاطع...

سالني ابي له أم لي...

 قلت له وهو يبلغك...

ضحك  وقال كما تشائين المهم ان تقرري  لانه مصيرك.

ما ان غادر ابي ، حتى تغيرت حالتي ، كان اول ما خاطر فكري وصرت الهج به  واردده  زوجي وحبيبي مات ، هم يعرفون الحقيقة ولا يريدون  اخباري بها حتى لا يصدمونني ولا يصدمون الأولاد ... سيطرت الفكرة عليّ...

وصرت أصرخ  من اعماقي  حبيبي مااااااااااااااااات.

 وانهرت ابكي  بلوعة وحرقة، وألطم وجهي وأشد شعري...

 ضاع الامل، ضاع العمر، لن يجدده لي  أي رجل اخر بهذا الكون...

 صرت اندب  زوجي وولديّ..

انهار الولدان  بجانبي وهم يرونني أنوح وألطم وجهي وأشد شعري...

بعد اقل من ساعة وإذ صديق زوجي يصل ومعه طبيب وسيارة اسعاف ، هاتفه ابني عن حالي وطلب مساعدته، واسرع يفتح الباب  له، كنت ملقاة على الأرض،  أتى الطبيب  وصار يفحصني واعطاني حبوبا وادوية  منعشة، وقال لا داعي لمشفى فقط  لننقلها للسرير ونضمن تهوية المكان... حملني صديق زوجي  لسريري،  وجلس قربي  يهدأني... اتصلت البنت بجدها، فأتى بصحبة  امي أيضا، امتلأ البيت، بل بعض الجيران طرقوا الباب يطمئنون عني .

وضع ابي يده الكبيرة على جبيني...

 وقال يؤنبني... طلبت مهلة للتفكير وليس للانتحار...

 قلت انتم تعرفون انه قد مات، فلماذا لم تخبروني...؟؟

 قال ابي لا... لا نعرف، ولا يحق لك ان تقرري  مصيره من تلقاء ذاتك، من غير ادلة، هذا خطأ  أسأت به  لنفسك  ولولديك، هذا غير جائز، عليك ان تكوني اكثر حكمة  بحق نفسك وولديك هما بحاجة لك  وكلنا بحاجة لك .

مطلوب منك ان تفكري بمستقبلك وبمستقبل الولدين والسيد، وأشار لصديق زوجي هو من تحمل مسؤولية انقاذك وينتظر قرارك...

القيت اليه بنظرة شكر وامتنان...

 رد بنظرة جامدة لم افهم  معنى محددا لها، بها  غضب وبها حزن بل بها حيرة ايضا ، افهم  نظرة غضبه مني  لكن لم افهم  نظرة حزنه هل على زوجي ام عليّ ام على نفسه من صدي وصدودي ومدى تعلقي بحبيبي وزوجي، ونظرة الحيرة اهي بسبب انتظاره لقراري  ام ندما على  تقدمه بطلب يدي وهو يعرف  مدى تعلقي  بزوجي...

بعد ساعة من الزمان اقل او اكثرقليلا، غادر ابي وامي  واصطحبا الولدين معهما، بقي عندي  صديق زوجي جالسا قرب سريري ، يمرضني  يداويني  بلطفه وسعة صدره  ويلبي بعض طلباتي  لأن  الطبيب منعني من مغادرة السرير لارتاح...

بدأت، استعيد حيويتي  الصحية شيئا فشيئا، مع استمرار ارتباكي المعنوي والنفسي، وبي امتنان  لوجوده قربي، بل تملكتني حاجتي له، وانه موجود لان أحدا غيره لا يلبي حاجتي،  يبدوا انه ادرك تحسني وهو يراقبني، يمرضني، يراعيني ويخدمني، بل  لعله قرأ ما يدور بخلدي، تشجع، امسك بيدي، لاطفها بداية، شعرت بدفئها وحنانها، استسلمت للطفه ودماثته.

 فتركت له يدي...

 هي أول مرة يمسك يدي ويلمسها،  لم اكن اسلم عليه بها عند حضوره ووداعه.  بعد زمن ليس طويلا ،  بادرني الكلام...

 ساقول باختصار باقل كلام، واريد جوابك اتسمحين وتسمعين ...؟؟

 وافقت بهز راسي فقط...

 نظر بعيني مباشرة وقال بصوت مسموع وثابت... أحبك وأطلب يدك للزواج، وأنهى كلامه.

 فكرت لثوان وأجبته،  أنا لا أحبك بل أحب زوجي،  لكن لانه مفقود، ومصيره غير معروف، ولاني اثق بك، واطمئن لك، ساقبل الزواج منك، قم بالإجراءات القانونية اللازمة. أجاب بكل رزانة واحترام،  لم أتوقع منك  اصدق من هذا الجواب، لي صديق محام سيتولى الإجراءات القانونية، سأخبر والدك بموافقتك .هو وامك والولدين ينتظرون جوابك. تساءلت حتى الولدين ...؟؟ أجاب نعم حتى الولدين.

نهض وتكلم مع ابي بالتلفون، ثم عاد وجلس  ثانية قربي على السرير، رغبت بالنهوض من فراشي ، فقد دب  بي نشاط جديد، امسك يدي ثانية  وسألني اين تريدين  ....؟؟ قلت فقط اسيرقليلا، رعى سيري داخل البيت، زادت راحتي الجسدية  والنفسية، انتابني إحساس انني  تحررت من وحدتي، كان ضيفا صار أصلا ، وفورا اختلفت نظرتي اليه  لقد تكرر ما حصل معي لما شكاني زوجي لأبي فطلب يدي للزواج وبلحظة غدا الرجل حبيبا وشريكا وسيدا بعيوني وبعمري. وها هي الحالة ذاتها  تتكرر بين ثانية.

تنفست الصعداء، لم ادرك لحظتها لماذا...؟؟ انما  الذي راود عقلي  ان هموم وقلق وحدتي قد زالت  فارتاحت نفسي، لذلك تنفست الصعداء،  داهمني بكاء، لقد انتهى حبيبي وزوجي، وحل محله اخر لن انسى زوجي المفقود ولن اهمل زوجي  الموجود ، وكما قال والدي هذا نصيبي وهذا مصيري.

 

2- الزواج الثاني وحياتي الجديدة

كما يبدو، شجعته موافقتي على طلبه الزواج مني ، فسألني اتشربين قهوة...؟؟ هممت ان انهض لاعدها  له، رفض، واصر بل  انا اعدها ،ابق مرتاحة انت ، اخبريني  فقط اين مكانها، نهض متوجها للمطبخ، ارتاحت نفسي اكثر، وإذ بالاولاد ياتون مع والديّ، فتحوا الباب واندفعوا باتجاهي، وهم يتصايحون مبروووك ماما... وارتموا عليّ يقبلونني، وابني البكريسال:

  فينوا عموا...؟؟

 ليش راح...؟؟

 اجبته  لم يغادر، موجود بالمطبخ يعد قهوة، فاندفع  نحوه يبارك له أيضا، اما الصغيرة قبقيت ملتصقة بي، بل تسلقت السريرواستلقت بجانبي  تحتضنني، باركت لي امي أيضا وقبلتني ، وقال أبي:-

 يا ابنتي، لقد اتخذت القرار السليم، ما جرى قضاءا وقدرا ونصيبا وكله بإرادة  رب العالمين، وقد وقع الذي وقع ، أنت مسؤولة عن ولدين  يحتاجان لاب، ومنَّ الله عليك بهذا الرجل المحترم، المحب لصديقه،  فلم يتخل عن اسرة صديقه لفقدانه، هو من النبل والشهامة والوفاء ما تتمناه أية امراة بالوجود،  سيرعاك افضل رعاية، انت والأولاد، يجب أن ترعيه وتمنحيه قلبك، وأعرف كم انت مخلصة، صادقة، وفية، انا مرتاح حاليا ومطمئن عليك وعلى الأولاد، أحبيه يا ابنتي، هو يستحق حبك، سالته هل ألغي حب زوجي من نفسي ...؟؟ لا أستطيع...!!

 فتدخلت الصغيرة قائلة حبي بابا وحبي عمو

 منطق الصغيرة على صغرها سليم ومقنع، احتضنتها وقلت لها لم يعد عمو  صار بابا سأحب بابا وبابا.

انتبهت انه واقف قرب الباب ينظر، وينصت للكلام الدائر، اقترب من البنت وحملها بين يديه، قبلها وسألها اتقبلين بي بابا...؟؟  فهزت رأسها موافقة.

تناول قهوته، وودعنا واعتذر انه سيتغيب أسبوعا على الأقل بسبب تدريبات ومناورات عسكرية، وبعدها  سيباشر مع صديقه المحامي  تقديم  استدعاء الطلاق  ومباشرة الإجراءات القانونية. ومن ثم توجه بالكلام لي، وسنتفاهم على إجراءات الزواج.

أعترف، رغم ترددي  وحزني على زوجي  المفقود، الغائب الحاضر بعقلي وقلبي ووجداني وخيالي ، بل بكل ثواني حياتي ، أنني بدأت  أقرر ان واقعي  يتطلب وجود من يساعدني، والداه قد توفاهمها الله، هماً وحزناً وأسى عليه، ووالدِي  قد غدا كهلا متعبا ، تهاجمه  أمراض  الشيخوخة ، لن يعود قادرا على  مساعدتي، بل قريبا قد يغدو هو وامي بحاجة  لي، كي أخدمهما وأمرضهما وأسعى في سبيلهما، لعل  صديق زوجي هو اكثر إنسان يمكن ان ارتاح واطمئن له، واثق بقدرته على مساعدتي والوقوف الى جانبي.

مع ذلك بقيت سطوة  فقدان زوجي ماثلة بعقلي وأعماق نفسي، اخشى تكرار الحالة مع زوجي الثاني خاصة انه ضابط مظلي مثل زوجي، فأجفل كلما داهم افكاري احتمال تعرضه لما تعرض له زوجي،  واصرخ يا الهي لا تفجعني مرتين.

 رغم تشاؤمية هذا الخاطر، الا انه كان يعزز خوفي عليه وعلى ذاتي وأسرتي، مع هذا الخوف بدأت تتضح معالم تعلق ما، تتسلل الى نفسي ، لم يعد ضيفا ملتزما، ولاصديقا محترما ووفيا ومخلصا لصديقه فقط ، لقد غدا رجلا مكملا لحياتي... بل وحياة اولادي،  الذين تعلقوا به وأحبوه، فينتابني إحساس بحاجتي لوجوده قربي ، فاهتف له تعال أريدك معي الآن، لعلها بوادر الشوق  والاشتياق  لرجل  يتسلل الى اعماقي  بهدوء وببطء، لكن بتصميم، أستسلم لغيابه لضرورات ومتطلبات الحياة العسكرية  بجيشنا الوطني المقاوم. فأحن ليوم عودته وحضوره، لم يكن حضوره  داهما ومسيطرا، وصاخبا مرحا جاذبا ، كزوجي المفقود،  بل كان اكثر جدية، واكثر ميلا للهدوء والسكون،  لعله  يفكر اكثرمما يتكلم، لذلك اعتقدت انه أعمق فكرا، وأقل مرحا وجاذبية،  لكنه مخلص وخدوم، بدا لي ببعض المواقف اكثر تصميما ومتابعة، ليس من السهل ان يتراجع، فادركت  انه بدأ  يفرض ذاته وشخصيته على عقلي  وشخصيتي ، ضجيج مرحه أقل،  لكن لا يمكن الا ان  ادرك انه موجود، جالس او يتابع التلفاز او يتحدث مع الأولاد أو يساعدهم بدروسهم او يقترح عليهم نزهة ما. ما  أن يدخل  البيت، حتى يصبح هو كل البيت، وبالنسبة لي  البيت هو حياتي، فتتوجه كل اهتماماتي  له هو، لكن كنت  أفهمها على انها واجب الضيف وضرورة الاهتمام به  واكرامه  وشكره على اهتمامه بنا ، لكن أبدا لم يخطر ببالي انها إشارات ارتباط وتعلق به، بل بقيت سطوة محبتي لزوجي المفقود هي الأبرز، والأكثر وضوحا،  باحاديثي وتصرفاتي  وآلامي ، فينعكس ذلك على الاخرين حولي  رضوخا  او احتراما  لمشاعري وتجنبا  لازعاجي او كسر روتين مشاعري وهمومي . كنت أرتاح انه موجود،  وانني لست وحيدة،  ليس راحة محبة بقدر ما هي راحة اطمئنان، هي راحة حاجة، حالة نفسية غير صحية، دون ان افهم اني افتقد للتوازن النفسي المطلوب لاكون مرتاحة  بحياتي  وتوجهات مشاعري .

 لم يناقشني بشؤوني الخاصة وحالتي النفسية أبدا ، كان فقط يحدثني عن اية معلومات جديدة تلقاها  من  الجهات التي تتابع حالة الفقدان.

لما عاد بعد أسبوع ، كانت نظرتي له قد تبدلت ، وطبيعة اهتمامي به اختلفت، ما ان وصل حتى سارعت أستقبله، نسيت ان أقول اني وقفت زمنا أطول امام المرآة، اعتقد كانت على وجهي علامات  ابتسامة فرح لعودته، أمسك يدي كما فعل  لما كنت منهارة بالسريروطلبني للزواج. ابتسم لي  ابتسامة عريضة... فضحته، اقصد فضحت فرح قلبه، كأني سمعته يقول من بين شفتيه اشتقت لك ، كأني...!!  لست متاكدة ، لكن انتابني سرور، ربما لم يقلها  الا اني تخيلتها، هي علامة جديدة تفيد اني بدأت أتغير نحوه. 

دخل  كعادته.

 أسرع الأولاد اليه.

 سلم على الكبير.

 وحمل الصغيرة فقد تعودت عليه يحملها، تتدلع عليه وتتطلب .

الجديد انه لحقني  وهو يحمل الصغيرة للمطبخ ، هي  اول مرة  اراه واحس به قربي بمطبخي، نهرت الصغيرة وقلت لها

 انزلي عن يدي عمو.

قال أي عمو هذه...؟؟ لقد تخلصنا منها، وتوجه لها يقول

 لم اعد عمو  صرت بابا...اليس هذا ما اتفقنا عليه.

  ورمقني بنطرة معاتبة.

 لم أعلق، لكن قررت بيني وبين نفسي أني يجب ان اتعود انه صار بابا للاولاد.

سألني ،ماذا تفعلين...؟؟

 قلت أعد طعام الغذاء ، فقد حضرت لك طعاما خاصا،

 لم يعلق ...

فقط أغرقني  بنظرة، تألقت بها مشاعر جديدة بنفسي، بدت لي وكأنها موجة بحر عالية تغمرني.

 لم يسعني حيالها الا ان اخفضت عيني  ليس هربا من تأثيرها بل رضى عنها.

  قرب الطفلة من وجهي وقال لها  

 بوسي  الماما، فقبلتني  من  وجنتي،

 قولي لها أحبك،

 فرددت  أحبك

بعفوية نظرت اليه... 

وتلاقت نظرتي مع  موجة نظراته، لم نتكلم  بل تكلمت عيوننا.

وخفق قلبي  خفقات سريعة.

قال غدا سيتقدم المحامي لقيادة اركان الجيش ووزارة الدفاع  بطلب الحصول على مستند الفقدان خلال العمليات الحربية  وتاريخ وقوعه. وبعدها سيودعها ديوان القضاء الشرعي، مع طلب التفريق  لتحديد موعد  للجلسة، قد يتطلب الامر حضورك لان دعوى التفريق لعلة الغياب  ستقدم باسمك، انهى كلامه وسكتَ قليلا  كأنه ينتظر جوابا او كلاما مني ، لم اجد ما أقوله، بقيت صامتة، فسألني ،

أمستعدة انت...؟؟ وكأنه متشكك،  يريد  التأكد من  استعدادي، هززت له راسي  قال لا... اريد جوابا واضحا ليس هزة  من راسك، فاجبته

 انا مستعدة، لا تخف،  قررت  ولن اتراجع.

بعد عدة أيام أخرى، صدر حكم التفريق لعلة  الغياب مدة تزيد عن السنة خلال العمليات الحربية، مع التقيد بقواعد العدة الشرعية لعلة الطلاق، وفقا للاحكام القانونية والشرعية.

خلال مدة العدة  القانونية المحددة باربعة  اشهر وعشرة أيام ، امتنع هو عن الحضور للبيت نهائيا، للتقيد  بمتطلبات احكام وقواعد العدة بدقة تامة . تجنبا  كي لا تشوبها أية عيوب قد تطعن مستقبلا  بسلامة عقد الزواج.

وكانت مدة العدة ، فرصة  ضرورية لأعيد تقييم حياتي ومصيري وقراري، وأتعمق اكثر بفهم شخصية الرجل الذي أستعد  للزواج منه.

 من طبيعة وخصائص  قرار الطلاق بهذه الحالة انه يصدر باثر رجعي،  مما يبقيني زوجة للأول الغائب  المفقود  لو عاد خلال  العدة، وبعودته  يسقط  قرار الطلاق ، لاني اعتبر خلالها ما زلت  على ذمته، وهذا ما أهتم القاضي أن  يشرحه لي عند اقرار الحكم بالطلاق، وقد استبد ذلك بتفكيري وسبب  لي  اضطرابا وترددا وعدم ثبات بالإرادة وتناقض بالمشاعر والمواقف.

أحيانا اصلي لو يعود  زوجي ويَبْطُل  الطلاق، وأحيانا  استسخف افكاري، لو كان حيا لوصلتني اية إشارة تدل على حياته، واحيانا أشفق  على صديقه الذي غدا متعلقا  ومرتبطا بي،  أضعف الايمان ارتباط وعد بالزواج، وقد ضحى الرجل كثيرا من اجل مواساتي ومساعدتي  بايامي الصعبة، فإن عاد زوجي المفقود، يكون قد خسر  سنينا من عمره، واملا بالزواج مني،  فادرك اني أعيش حالة  معقدة متشابكة،  يختلط فيها التردد بالقبول  والتراجع  بالاقدام، وأحيانا تسيطر على افكاري ذكريات زوجي المفقود، واحيانا تسيطر عليها تضحيات صديقه.

 أحيانا  يغزوني حبي لزوجي  واحيانا يغزوني احترامي لصديقه واستلطافه، بل أحيانا يغالبني شوق اليه ، فاعد أيام عدتي، أحسب متى نهايتها ، لانني  مشتاقة لوجوده بجانبي، بل  لمسك يدي بين يديه والنظر بعيني .خاصة وقد غدا بمثابة خطيبي. والاولاد يزيدون  طينتي بلة، لما يسألوني  إن كنتُ  بعد زواجي  ساتركهم واعيش معه بعيدا عنهم

فاقول  لا...  لا... لا يمكن ان ابتعد عنكم

بل هو سيأتي ويعيش معنا، لاطمئنهم.

أقول لهم انه سيصير لكم بابا

  وسيصير لكم اخوة اخرون.

 

كان أقسى ما واجهني  لما سالني ابني رغم  بساطة صباه،

 لو عاد بابا،هل سيعيش معنا ...؟؟

  وقع السؤال على رأسي كالصاعقة ،لاني لم افكر به،  فتساءلت

 فعلا اين سيعيش وقد توفي والداه من همهم عليه، واغترب اخوه ببلد  أوروبي،

 ثم اتسائل،  أمعقول ان يعود زوجي وحبيبي ولا أكون معه...؟؟

 أمعقول ان يعود ولا أرعاه  وأطعمه  وأبتسم له ...؟؟

 لا ...لا ... غير معقول

 حتى كدت أن  انهار بل  قررت ان الغي  موافقتي على  الزواج، تراودني فكرة  ان أنذر نفسي  له حتى مماتي...

 

 تستمر مثل هذه الحالة عدة أيام، لأعود ثانية واقتنع ان مماته اصبح الأكثر احتمالا. مع ان  قيادة الأركان كانت  مصممة على اعتباره اسيرا وتستمر بالمطالبة به، الا ان العدو لا يعترف  بذلك لاسباب تخصه.

وكلما داهمني سؤال ابني وقد ترسخ في ذاكرتي ، كلما تكررت  لوعتي واحزاني  ووقعت صريعة التردد والتراجع والتشتت،  فيتصاعد قلقي  وعدم استقراري، وضياعي بين قبول الزواج او التراجع عنه.

في بعض  الحالات اخرجني من ترددي اتصال هاتفي  من صديقه- وقد غدا بمثابة خطيبي  بعد ان وافقت على طلبه  للزواج مني-  فاقول المسكين ما ذنبه ما دمت قد اعطيته موافقتي، لا يحق لي  التراجع وحياة زوجي غير مثبته، بل مماته هو الأرجح، لا يجوز ان اعبث  بمشاعره وارادته، لقد كان محترما معنا ويجب ان أكون محترمة معه ايضا .

في احد الايام هاتفني ، واجبته بصوت احزاني واساي، كعادتي قبل ان يخطبني وفاجأني يسالني 

ما بك...؟؟

 اجبته لا شيء.

 قال بصوتك وانفاسك رنة حزن  واسى ، وتابع اسمعيني

 لن اقبل ان تجامليني، ولا اطالبك ان تعشقيني  دون مشاعر حقيقية، فأنا اقدر ظروفك القاسية.

  لكن أطالبك ان تكوني متصالحة مع  نفسك، وليس معي ، لتقدري على اتخاذ قرار ثابت، لانك ان لم تتصالحي مع نفسك لن تتصالحي معي  كزوج وكحبيب...

 انا احبك لذلك طلبتك للزواج .

 انا لا اتبرع  بالزواج تبرعا، بل لاني احببتك واحببت اخلاصك لصديقي، دليل  وفائك  وأمانتك وحبك العميق  ودليل اصالتك.

هذا ما دفعني  لاحبك.

 وما كنت لاعلن ذلك لو عاد صديقي المفقود حيا.او ان املا بعودته ما زال موجودا.

لكن فقدان الامل بحياته وبعودته ، منحني فرصة التعبيرعن مشاعري  لك.

      واطالبك ان تبادليني ذات المشاعر إن لم يكن بالايام الحالية،  فمؤكد بعد الزواج ، ساحاول ان أكون عند حسن ظنك.

 وتأكدي انني  معك، لن اتخلى عن صديقي، زوجك الأسبق،  حتى نعرف مصيره... شكرته، وانكرت حزني واساي  ، لاني لو قلت له ما بنفسي  أكون قد جرحته  وثبت شكوكه.

بعد هذه  المكالمة معه ، اعدت حساباتي  وعدت  اقرر من جديد  ان مسار حياتي الزوجية  قد تغير، سأصير زوجة لرجل آخر غير زوجي الأول،  هذا هو قدري  ولا ذنب لزوجي الثاني ان اشقيه بشقائي، وفكرت بعقلي،  لن احظى  بغياب زوجي  بزوج أفضل منه وأحن منه ، يشاركني الاهتمام  بمصير ذلك الرجل المشترك بيننا فهوسيكون زوجي  وصديقه بذات الوقت.

بالايام العشرة الأخيرة من زمن عدتي، بدت نفسي اكثر سكونا ، بل ببعض الأحيان انتابني  فرح  ان زواجي الجديد قد اقترب، لم يبق سوى عدة أيام واصير حرة  وجاهزة  لاستقبله ببيتي كالعادة ، واحدثه، وقد ارافقه للسوق، او لزيارة اهلي او اهله ، لقد اشتقت اليه،  سأسلم عليه بيدي، وان قبّلني...؟؟ لن أمنعه، بغض النظر عن تجاوبي او عدم تجاوبي، يجب ان أحسسه اني راغبة به كزوج  بل يجب ان احبه، وان انجبت له أولاد ،فهم اولادي وان اختلف الاب ، الأول حبيب والثاني يجب ان يصير حبيبا والا لا داعي لاكمل ... بمثل هذه الأفكار  والتقديرات كنت  أعوّد نفسي اوالاصح كنت اعالج نفسيتي التعبة، لأفتح قلبي من جديد لحبيب جديد. كان يرضيني  هذا  الشكل من التفكير، وهذه الأفكار المنطقية، فأرغب لو يكون موجودا لأقترب منه بجسدي  ليلتصق بجسده،  ليفهم اني اتغير لصالحه. واقرر ما دام يحبني، يجب ان يتصاعد حبه لي، وهذه مهمتي نحوه،  ليست مهمته ، فيخفق قلبي واشتاق لوجوده فعلا لالتصق به ليطمئن قلبه وترتاح نفسه .

 باليوم الأخير من عدتي  لم يتصل بي ، كنت انتظر اتصاله فرحة، لقد انهيت عدتي وصرت جاهزة لرجل وزوج جديد، هذه الخاطرة اثرت ليس على مشاعري نحوه فقط، بل على غرائز ونواحي  انوثتي بجسمي،  كأني مازلت عذراء  بكرا،  استعيد لهفتي للرجل الحبيب، داهمني شوق ان يأتي، رغبت ان أعلمه ان عدتي قد انتهى حسابها، هو سيفهم  مقاصدي العاطفية من هذه المعلومة، بل هو يحسبها مثلي .

باليوم التالي، أيضا انتطرته، لم يتصل، قلقت... مساءا طرق الباب، اعرف طرقته، دون وعي ، ركضت اليه... افتح له ...فاجَأني بابتسامة عريضة وبيده وردة حمراء  وقالبا من  الكاتو، وضع الوردة الحمراء فوقه، قدمه لي، وهو يردد

اتقبلين حبي...؟؟ 

قلت  لقد وافقت على الزواج 

 أجاب لا يهمني، الزواج ندونه بورقة،  بل اطلب ما يدون في قلبك مثل ما هو مدون بقلبي. كلام جميل ومثير ومقنع، مددت له يدي فامسكها وقلت

 لا اسلم عليك، بل اسلمك مصيري، اتقبلني زوجة لك...

احتضنني  امام ولديّ وقال لهما  تعالا انضما  الينا، غدا سنوقع ورقة الزواج ونصير أسرة واحدة....

سألني ، اتطلبين فرحا للاشهار ، هذا من حقك حيال  المجتمع، قلت لا ابدا ، ليقتصر الحضور على والدي  وابنيّ من جهتي واهلك  من جهتك ،انت حر ان رغبت بوجود اخرين، لكن  لا اريدهم كثر، قال  اهلي وصديقي المحامي وزوجته  وقائد كتيبتنا وزوجته  فقد كان له دور كبير وما زال يراسل القيادة سعيا لمعرفة مصيره . هو دائم السؤال  عنكم  ويعرف اهتمامي بكم .

 تقرر عقد القران بعد أسبوع تقريبا. الحت  علينا بهذه المرحلة  مسألة الاقامة ، اين سنقيم ...؟؟ المنطق  والتقليد الاجتماعي  يلزماني ان انتقل للإقامة معه، ببيت أهله المملوك لابيه، وله غرفة خاصة  مجهزة لوقت زواجه ... ليبقيهما  تحت رعايته بكبرهما...؟؟  لكن لا مكان للولدين...؟؟ هنا ظهرت المشكلة، فافترضت  بعفوية وببساطة  ان اقامتنا يجب ان تكون ببيت اقامتي الحالية فابقى مع ولديّ ارعاهما، الا ان هذا الخيار يثير مشكلة وحساسية ، لانه  بيت زوجي السابق المفقود...؟؟

كان وجود ولديّ مشكلتى الاهم،  لم يكن ممكنا تركهما دون رعايتي، صَعُبَ عليّ نفسيا وعاطفيا أن اتركهما، اقترحت عليه ان يقيم معنا  ببيتنا، تردد قليلا  وقال والديّ يقترحان ان  يقيم الولدان ببيت جدهم. رفضت الإنفصال عن ابنيّ  تحت أي ظرف، صممت ان يقيم هو معنا ببيتنا  ويصبح بيته، بل اشرت بلحظة انفعال ان تمسكي بالولدين يتفوق على حاجتي للزواج. حيال اصراري ، لم يعاند كثيرا بل قال لي، معك حق،  هذا هو الحل الأفضل، وانا ادعم رايك، رغم ان والدي واقاربي بل وبعض اصدقائي ، يرون ان تقيمي معي  ببيت أهلي، ويعترضون ان أقيم ببيت  زوجك ، بل ان ابي  يتشدد بالمسالة، ويسألني بجدية، أتقيم معها وبعقلها ذكرياتها الحلوة والمرة  مع زوجها السابق، هذا لا يجوز، وغير مناسب لك. منطق بالتفكير  به وجهة نظر اجتماعية مقبولة واقعيا، لكن واقعي  وواقع ولديّ  الذين يعانيان من فقد والدهما، لا يسمح   لي بتركهما تحت أي ظرف ،لان انفصالي عنهما  يعني فقد والدتهماأيضا، فيصبحان كيتيمي الاب والام ،  أيضا هو منطق يستحق  الاعتبار، وقد  فرض نفسه عليّ وعلى النقاش الذي دار حول  الموضوع . والده يصر أن  الولدين من مسؤولية جدهما  حتى لو لم تتزوج أمهما، افترضت، بل  أيقنت ان والده بالعمق غير راض عن زواجه من امراة لها تجربة زواج سابقة ، زوجها مفقود، مصيره غير ثابت ، وعندها أولاد منه، بل كنت مقتنعة باعماقي ان والده  كان يريد لابنه زوجة عذراء ، ووافق نزولا عند تصميم  ابنه  وليس عن رضى واقتناع. هذا الاعتقاد - بحد ذاته- كان يشجعني اكثر، على عدم الإقامة عند أهله ومعهم، ما دمت غير مرغوبة من والده، وقلت له  عند اهلك سافقد حريتي،  وسترتبك رعايتي  لولديّ، ارجوك دعني مع ولديّ، أواقلع عن الزواج  بي  ونبقى أصدقاء، قال فات الزمن على هذا الكلام، غدوتِ جزءا من حياتي،  لن اتخلى عنك، سأقيم معك ومع الولدين، وعلى هذا استقر وترسخ  القرار.

 استكان والده ، لكن باعتقادي على مضض، اما والدته  فكانت متعاطفة معي لاسباب إنسانية ولتفهمها قلق امومتي على الولدين. ولربما لأنها لا تريد كنة تشاركها بيتها. والله أعلم.

بما ان والدي ولي أمري فالاوجب  لي ولوالدي عقد القران ببيته ،  لذلك انتقلنا انا وولديّ لبيت جدهما قبل عدة أيام من موعد عقد القران ، وانصرفت باليومين السابقين للموعد ، أهتم بتنظيف وترتيب  بيت اهلي،  خاصة ان العريس حجز بفندق بمنطقة سياحية  مدة أسبوع،  فأؤمن على الولدين ببيت جدهما خلال غيابي ذلك الاسبوع ...لكنه فاجأني انه حجز معنا غرفة للولدين ايضا، أرضاني  ذلك  بل ضاعف راحتي النفسية وفرحي ، أكبرت به هذا الاهتمام والاحترام لي ولولدي، مع ذلك قلت له انت تضحي بحريتك اكثر مما هو متوقع ، قال  انت مخطئة لو لم احجز لولديك  ستبقين قلقة عليهما  وستفتقدينهما، ولن تكوني بكليتك معي، اما هكذا فلا قلق  بنفسك عليهما  بل ستمنحيني كل اهتمامك كعريس، لا تقلقي انا احسن اختيار افضل ما يناسب حريتي وراحتي وسعادتي، ان وجود ولديك معك هو الأنسب لسعادتي ، اتفهمين مقصدي ... ؟؟ اومأت له برأسي ، واجبته بفرح غامر سأبذل جهدي لتكون مرتاحا وسعيدا معي .

تم عقد القران بحضور كل من تمت دعوتهم ، وسهرنا لساعة متاخرة.  وبما ان السفر مقرر صباح اليوم التالي ، غادر هو لبيته بنهاية السهرة ، وبقيت  انا مع ابنيّ ببيت أهلي.

صباح اليوم التالي، انطلقنا برحلة العسل بالنسبة له، ورحلة المسار الجديد بالنسبة لي، ورحلة الاستجمام للولدين، فلم ينتبني أي  إحساس اني عروسة اكثر مني أم ،لوجود اولادي معي، اما مشاعري بالنسبة لزوجي الثاني فكانت عادية تماما وكأنه زوجي المعتاد وليس عريسا جديدا.

 مع اني  اشتريت ثوب نوم عرائسي  خاص جدا ، لكني خجلت ان أرتديه  امام ولديّ، فقط لما جمعتنا غرفة  المنامة بالفندق، وبعد أن نام الولدين بغرفتهما، وتأكدت من نومهما ، عدت اليه لغرفتنا، وبنيتي ان ارتدي له ذلك الثوب الخاص...!!

سألني هل ناموا...؟؟!!

 قلت نعم

 فبادرني بابتسامة عريضة، بادلته بمثلها مع شيء من الخجل، مع اني لست جديدة على العلاقات الزوجية بل هو الجديد عليها، الا ان مسحة من الخجل انتابتني ... فترددت ، لعله هو أيضا عانى من بعض خجل او تردد ،

 اقترب مني، احتضنني

  قبلني بداية  من جبيني

 ثم من وجنتي  عدة قبلات

 ثم ...ثم... ثم

أطبق على شفتي ، وهو يقول

  كنت أمنع نفسي عنك بعد ان تعودت عليك ، خاصة اعرف وفاءك ، فلم يكن امامي الا ان اطلبك زوجة عمري ، لقد صرت زوجتي وحبيبتي وعشيقتي ، كما كنت  لصديقي، زوجة خدومة وحبيبة وفية وعشيقة كريمة.

لطالما حدثني عنك، كم كان يفتخر بك،  وسعيد معك، كان يقول هي

 ملكة الأمومة

 وملكة الجمال

 وملكة السرير

 ثلاث ملكات اجتمعن بانثى واحدة هي  زوجتي وام اولادي.

 اسمع حديثه عنك،  فاحن لمملكة أمومتك ، وأتوق لمملكة جمالك وأحلم واشتهي مملكة سريرك.

 لم يخطر بذهني يوما  ان ملكة صديقي  ستصير انثاي وملكة عمري.

كما لم يخطر ببالي  اني ساشاركه زوجته، والعيش بظل ملكوتها  حنانا وجمالا وانوثة .

 كنا صديقين لا يخبئ أي منا اسراره عن الاخر، سافاجئك بايامنا  وليالينا القادمة بانني اعرف عنك وعن انوثتك اكثر مما تتوقعين ، وهمس باذني

 بل عن سحر شهوتك وجمال حركاتك بالسرير.

 فاجأني بكلامه،  لاني لم أتوقع ان زوجي وحبيبي المفقود كان يحدثه عن كل هذه التفاصيل في علاقاتي  الزوجية الحميمية معه.  فاتسائل الهذه الدرجة بلغت صداقتهما وصراحتهما...؟؟

 كدت ألا اصدق كلامه، اعتبرته من باب الغزل والاثارة ليس الا...!!

رغم  انني تفاجأت بكلامه ، وشككت بصدقه،  الا انني كنت تحت تاثيرصراحته وقوة كلامه وجماله وجراة اعترافاته ، بل كنت مستسلمة  لانوثتي ايضا بمثل استسسلامي لذكورته، بل كانت شهوتي تلح علي ، وتلح على جسدي.

 داهمتني انوثتي ، بدأت أخلع ثيابي  وهو ينظر لي، وهدفي ان ارتدي ثوب النوم العرائسي الجديد، مدركة  اني  لم اعد كما كنت قبل أيام،  لقد أصبحت انثى بين يدي ذكرها ، فقلت له

 ساعدني لارتدي ثوب ليلة دخلتك علي، لقد صرت امراتك ، ليس  لاني وافقت على الزواج منك فقط،  بل لان انوثتي صارت تطلبك...

 واحتضنته، اردد صرت انثاك ...صرت مرتك...!!

اكمل تعريتي، ولم يلبسني  الثوب، بل انا عريته أيضا ... !!

بالصباح، سبقته بالاستيقاظ، وأسرعت  الى غرفة الولدين، اطمئن عليهما، ما كدت ادلف لغرفة الأولاد حتى كان قربي  ينظر اليهما نائمين بهدوء وعمق ، قال دعيهما. وسحبني ثانية لسريره، تجاوبت بمشاعري وعواطفي وانوثتي  معه ، بافضل مما فعلت  بالليل. مما زاد قناعتي بانني صرت امراته ، لانه لا تكفي ورقة العقد الرسمية  بتثبيت المشاعر. بل المشاعر أمر فوق القانون  وفوق قراءة الشيخ ، وفوق  الأوراق الرسمية وخاصة ورقة عقد الزواج.

هكذا دخل علي زوجي الثاني، بمحبة عاشق، وحنان اب، ووفاء صديق، وهي عناصر أساسية بنت علاقتي معه فنال  احترامي وتقديري ومحبتي  وتجاوبْ جسدي مع جسده.

سارت حياتنا لاحقا كمسار حياة اية عائلة يكون  رب الاسرة فيها عسكريا فيكون الغائب الحاضر ، بل لا نكاد نمسكه  أحيانا حتى يفلت من بين ايادينا تلبية لمهمة ما، اداءا لواجبه الوطني والعسكري.

مرت ما يقارب ست سنوات اخرى فوق ما سبق من سنين، انجبت  خلالها منه ولدين إضافيين ، انضما لحياة اسرتي مع ولدي ، نالا رعاية اخويهما قبل رعايتي انا  وابيهم، بل حرصت أن أجمعهم  بروح  اخوة  واحدة ، بظل اب واحد، هو زوجي الثاني، يكلل وجوده رؤوسنا  جميعا، وعقولنا ومحبتنا .

 كان طبيعيا بمرور السنين  وقد كبر الأولاد، ان بدأوا يلاحظون الفرق بالكنية بينهم،  بدأت تظهر الأسئلة على عيونهم  وعلى رؤوس السنتهم  لماذا...الفرق بالكنية...؟؟ ، بل ببعض الأقارب ؟؟ مثلا هذا عمك وليس عمه، وايضا بالنسبة للجدود. فكان لا بد من شرح وتوضيح ذلك لهم، طبعا كان فقدان الاب الاول هو  المحور الأساسي  لاقناعهم بسبب هذا الاختلاف بالكنية،  فكان  المفقود هو الغائب الحاضر دائما بل يكاد يكون يوميا مع تقدم الأولاد بالعمر وتفتح مداركهم وفهمهم.

لقد حاولنا انا والأب  الثاني، ان نفهم كل الأولاد ان الاب الأول  كان شجاعا، بطلا، مضحيا في سبيل الوطن، زرعنا بقلوبهم حب الوطن واستعدادا للتضحية في سبيله. غدا الاب الأول قدوة ومثالا ساهم رغم غيابه بتكوين شخصيات كل الأولاد ، وتوجهاتهم وحماستهم الوطنية.

لا بد ان اعترف انه بمرور الأيام، وانشغالي  بعائلة غدت كبيرة ، غاب عن مركز اهتمامي  الشخصي فقدان  زوجي وحبيببي، لكن بقيت ذكراه ومأساته حية في نفسي  وفي نفس زوجي الثاني وصديقه ،  وساعد اختلا ف كنية الأولاد على إبقاء ذكراه حية بنفوسنا وبقليل من الشرح  بدأ الأولاد يتفهمون ويهتمون بالأب المفقود، بداوا يستوعبون   احتمال بقائه حيا ولو ان هذا الاحتمال ضعيف ، بل صارت البنت تتوقع عودته، وتصر قائلة بابا سيعود، وتردد تعبيرات مثل انا احبه او حلمت به او افتخر به ، و الولد الكبير لا يتوانى يسال اباه عن ابيه المفقود ،هل راجع بشانه ...؟؟ مما يدل على رسوخ ماساة ابيه بعقله وقلبه.

بتقدم زوجي برتبته ووظيفته فغدا ضابطا قائدا ، قادران  يتابع  ويلاحق مع الجهات المختصة بالاركان العليا، وضع صديقه، وفي معظم الحالات كان يخبرني  عن نشاطاته تلك.

بل اكتشفت بالصدفة  ان ابني البكر، قد خصص دفترا يسجل به أمورا ومعلومات تتعلق بابيه  المفقود، كمولده ودراسته وخدمته العسكرية  وشخصيته  ومهمته وفقده  وكثيرا من التفصيلات عن  المهمة التي فقد خلالها ، ولما سالته عنها، قال لما تتحرر أراضينا، ساذهب لتلك المواقع والاراضي ادقق مهمة ابي،  واتعقب اثاره لعلي اجده  ان كان متوفيا فاكرم دفنه ، أولا اجد اثرا  يثبت وفاته فيبقى حيا  بذاكرتي.  كان  باستمراريطور المعلومات عن ابيه  ويحدثها ويضيف اليها كل جديد ،سواء الشخصية او المتعلقة بالمهمة التي فقد خلال تنفيذها ، مع البوم من صور ابيه التي توفرت بين ايادينا، فتكون لدي  اعتقاد انه يستعد من الان لكتابة سيرة ابيه بالمستقبل.

كثيرا  ما جرت مثل هذه الاحاديث بحضور بكري من زوجي الثاني ، ورغم صغره، بالنسبة  لبكري من زوجي الأول ، مع ذلك علق  يوما مخاطبا اخاه ، ساذهب معك للبحث عن البابا هناك... اسوق  هذه الحادثة على بساطتها لادلل كيف ان الاب المفقود، كان حاضرا دائما بل حتى أولادي من زوجي الثاني  تأثروا  بقوة حضوره على السنتنا فاعتبروه أبا لهم أيضا.

هذا نموذج  عن الجو الذي  كان سائدا باسرتي الكبيرة  عن زوجي الأول المفقود. من المؤكد كان لي الدور الأساس بخلق هذا الجو للمحافظة على استمراره ودوامه، لكن زوجي أيضا كان له دوربالغ  بهذا ، اقله  استمرار متابعته لمصير صديقه المفقود ، وعدم اعتراضه على  حضور موضوعه  الدائم باحاديثنا وذكرياتنا واهتماماتنا  اليومية،  وبالمناسبات كالاعياد الدينية والوطنية  وأعياد ميلاد الأولاد ،خاصة أعياد اولاده .

اما بالنسبة لي  فلم أنسه، وأقسم ...كان ثابتا بعقلي وقلبي، بالمقابل لم أجامل زوجي الثاني بمحبتي له،  لانه تمكن بقوة حضوره وشخصيته ومحبته  لي  وللاولاد ان يمتلك نفسي وروحي أيضا ، لم أتعامل معه باعتباري زوجة عليها واجبات اتجاهه  يجب ان تؤديها ...لا ابدا ...لقد امتلك قلبي وروحي وغدا هومصيري ووجودي. أعترف... نعم أحببته دون ان انسى حبيبي الأول، واكثر،  لقد عشقته  عشقي لحبيبي المفقود،  اتسع لهما فؤادي، وطلبهما جسدي  الاثنين، بل بخيالي كثيرا ما جمعتهما معا بسريري ، خاصة بغياب زوجي بمناوباته او اثناء الاستنفارات الكثيرة، وكنت اعترف له بذلك ، لأكون صادقة وصريحة معه ، لم يعلق معترضا سوى انه قال  انا لا اريد تحطيم قلبك لا بل انعاشه ، وما دمت  محبة ومتمسكة به اثق انك تحبيني وتتمسكي بي  ايضا ، فاقسمت له ان محبته بنفسي وتوقي له بالسرير كاملين،  ولعل هذا هو سبب جمعي لهما باحلامي ، أو لكانت احلامي قد اقتصرت على المفقود وحده أو عليه وحده ، وكان ذلك يزيد من رغبتي  بزوجي . لا بل يوما سالني من بخيالك انا ام هو...؟؟ قلت انت عن يميني وهو عن يساري ، وليلتها نلت واياه اجمل واقوى متعنا الجسدية الشهوانية.  ومع رعشتي صرخت باسميهما.

بعد تلك الليلة ، التي اعتبرها مشهودة بعمري ، صار كثيرا ما أذكره وانا بحضن زوجي بسريرنا ،لا بل زوجي  يستحضره لي احيانا، ويذكرني  ببعض ذكرياتي واياه ، ويسال كيف  وكيف  وكيف واجيبه  وأصف له  بتفصيل وصراحة مترافقين مع انفعالاتي فترتفع جذوة عشقنا ولهيب  رغبتنا، فننال من  الجنس لذته وادفأ متعته.

 

3 -  اندلاع حرب تشرين /أكتوبر/ التحريرية

مع تعنت العدو ورفضه الانسحاب تلقائيا  من سيناء او الجولان، ومع استمرار حالة التوتر العسكري على امتداد خطوط الجبهتين، كان لا بد ان تسعى  كلا الدولتين العربيتين مصر وسوريا  لاستعادة  اراضيهما المحتلة بالقوة العسكرية، على قاعدة المقولة الشهيرة للراحل الرئيس المصري العروبي جمال عبد الناصر / ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة/.

بناء عليه، اندلعت حرب جديدة بالمنطقة، لم يكن من الممكن تجنبها حيال التعنت المستمر للعدو واعلانه اطماعا توسعية واحتلالية دائمة .

كان طبيعيا ان يكثر غياب زوجي  عن البيت خلال فترة التحضير للحرب، ولما أساله انا او الأولاد يقول استنفارات عادية تدريبية ويهمس باذني هناك احتمال  عدوان إسرائيلي جديد والجيش يستعد لرد العدوان المحتمل وصده. اعتقد انه هو بذاته لم يكن يعرف اكثر مما يقول، هو لم يكن يضللني، بل خطة التمويه التي اعتمدتها قيادتي الجيشين العربي المصري والعربي السوري اقتضت عدم  كشف نواياهما  بخوض معركة  لتحرير الاراضي المحتلة .

انا كربة اسرة كبيرة وكأم  سبق لها وتلوعت بفقد زوجها الأول خلال عملية عسكرية خلف خطوط العدو، لا تهمني كل هذه التفصيلات ، الا ان مشاعر من القلق المرهق كانت تنتابني وتقض مضاجعي ، بان تجدد المعارك وانلاع حرب جديدة يضعني شخصيا امام احتمالات، لا تسر خاطري، ولا تطمئنني على مستقبل حياتي انا وكل اولادي،  مثلي في ذلك مثل كل اسر وعائلات وزوجات وامهات العسكريين ، لان زوجي الثاني أيضا عسكري ضابط مظلي  كزوجي وحبيبي المفقود، كان اخطر سؤال يداهمني ماذا لو تكرر فقدان زوجي الثاني فاصير زوجة المفقودَين، واخاطب ربي،  ليقضي ويستشهد ،فاعرف مصيره لكن اصلي اليك يا ربي الا تتكرر تجربة الفقدان على صعوباتها وقلقها  ومشاكلها، واعود أساءل نفسي،  ماذا لو اصيب وتطلب علاجا  او تضررت سلامته ولم يعد انسانا سويا وفاعلا  ... فيتصاعد  بنفسي ثقل المسؤوليات التي قد تنتظرني بمستقبل حياتي .

ساعترف، باطار المعلومات التي كان يقدمها زوجي لي عن احتمال عدوان إسرائيلي جديد كرهت الحرب ، هذا من حقي الانساني،  وكرهت العدو كرها شديدا وهذا من حقي الوطني والقومي والعروبي، خوفا على وطني، وخوفا على مصير زوجي الثاني وحبيبي الثاني ومصيري من بعده انا واولادي من الاثنين. اضطربتُ،  وهن تماسكي النفسي والمعنوي ، اجتهد لامثل امام الأولاد ،لا بل امام زوجي، لما يحضر، اني لا اعاني  من أي قلق  او اضطراب، هذا بحد ذاته كان يزيد الأثقال على نفسي  ولا يريحها.

ظهيرة 6 تشرين عام 1973  بثت وسائل الاعلام  الوطنية  والعربية والدولية اخبارا، فهم منها ان كلا من جيشي مصر وسوريا قد انطلقا بعملية عسكرية هجومية على اتجاهي سيناء والجولان ردا على العدوانية الإسرائيلية، ليس سعيا للحرب بل  لتحرير اراضيهما المحتلة، التي لم تنفع مع العدو كل الوسائل السلمية ليقبل  بالانسحاب منها  لتحقيق  السلام والاستقرار..

هذه الاخبار باعتبارها اول مبادرة عربية  بالهجوم لردع العدو عن غروره، لتحرير الأراضي المحتلة، الهبت مشاعر الناس بكل أقطارالوطن العربي، وببلدنا  على وجه الخصوص، ببيوتهم واعمالهم بالطرقات والشرفات،  يهتفون يحيون ، يتراكضون وراء طياري العدو المتساقطين  مع طائراتهم فوق أراضينا لامساكهم وتسليمهم للسلطات ذات العلاقة.

 كما قيل بعلم النفس الجماعي، أن  الحالة الجماعية معدية للافراد ،  لقد اصبت  انا ايضا بعدوى الحماسة الشعبية، رغم عظيم مخاوفي الخاصة، مما حسن من معنوياتي. التهبت مشاعرنا جميعا ، خاصة أولاد زوجي الأول وقد اصبحا  بعمر يكفي ليفهما ويدركا مجريات الأمور، كان بكري الأول يتابع الاخبار، يصرخ فرحا كلما اعلن عن اسقاط  واسر طيارين للعدو، ولولا مراقبتي  ومتابعتي له، ومنعه من مغادرة البيت، لخرج مع رفاقه يطاردون طياري العدو حيث تتهادى بهم مظلاتهم بسماء مدينتنا وفوق أراضينا...الا ان خشيتي عليه  وخشيتي من لوعة جديدة تصيبني بابني كانت تمنعني من اغفال مراقبته، بل كان يعلن ويردد وكانه يهذي من  حماسته ،ساعرف مصير أبي،  سأبحث عنه بكل ركن من الجولان وفي كل قرية وخلف كل تلة وباعماق  كل واد بل وخلف كل صخرة او حجر ...  لن أعود من الجولان إلا وهو معي حيا او رفاتا وعظاما..

أما ابنتي فكانت مهتمة بابيها المفقود اكثر من اهتمامها باحداث الحرب  الدائرة فكانت تردد بثقة غريبة... بابا سيعود ،  نعم هكذا كانت تحلل كلامنا حول احتمال حياته  او مماته فترجح حياته، باملها وعاطفتها وامانيها الطفولية،  لعلها كانت اكثرنا واقعية بحساسيتها المرهفة، وحدس ضميرها الصافي والبريئ، اكثر من  التحليل العقلاني بترجيح موته.

كنت مضطرة لمجاراتها، حفاظا على نفسيتها  ومعنوياتها وأقول لها وانا مثلك اثق ان اباك حي وسيعود، لانه لوكان ميتا لاعلن العدو  ذلك فلا مصلحة له بالاحتفاظ بجسد عدو ميت...هكذا كنت افكر واعتقد،  واستنادا له كنت اساير ابنتي بمحبتها لابيها وحاجتها له وثقتها واملها الكبير انه حي  وسيرجع يوما ما.

إن اخطر ما في موقفها،  أحلامها  بعودته وبوجوده ومرافقته ومحادثته ، كانت تعلن بعضها وتخفي الكثير باعماق عقلها وقلبها، كنت اخشى عليها، من صدمة نفسية، لو ثبت ان توقعاتها بحياة ابيها غير صحيحة وانه ميت، منذ زمن طويل. بل كنت اخشى أن اُحضِّرهَا مسبقا لمثل  هذا الاحتمال فأصدمها قبل ان ينضج  وعيها ومداركها بما يكفي لتقبل موت أبيها باقل ضرر نفسي ممكن.

بعد ما يقارب عشرين  يوما من القتال  الضاري، اعلن وقف للاعمال القتالية على كل الجبهات، وتوقفت حركة القوات على الخطوط التي  انتهت اليها  اخر المعارك.

هدأ القتال ، هدأت النفوس تنتظر. ماذا بعد...؟؟ وبدأت عملية لملمة الجراح الخاصة للاسر والعائلات والاضرار والخسائر العامة والتي تتكلف الدولة بمعالجتها.

وبدأت مع اعلان وقف الاعمال القتالية، الجهود الدبلوماسية السياسية الدولية، من  اجل ايجاد مخرج ينهي الصراع الدائم حول القضية الفلسطينية، او يؤسس لهدوء طويل الأمد يتيح متابعة البحث عن حل عبر المفاوضات، او يؤسس لجولة جديدة من الصراع. هكذا هي  الأمور بمنطقتنا العربية تراوح دواليك بين الحرب والاقتتال وبين الهدوء القلق  والقابل للالتهاب من جديد ، تحركه أطماع العدو الاحتلالية التوسعية، وامل  الدول العربية وطموحها  بانهاء احتلال أراضيها ، ورفع الظلم والعدوان عن الشعب الفلسطيني  على وجه الخصوص، وعن شعوبها واراضيها الداخلة ايضا بدائرة الاطماع التوسعية للعدو التي يعلنها واضحة بكل صراحة عدوانية وفجور استفزازي، مما يديم حالة  الاستنفار العسكري الدائم لقوات العدو وللقوات العربية  بل والشعب العربي برمته بالمقابل ، فتتعزز روح المقاومة لدي المخلصين والمتحمسين، وروح الإحباط والتخاذل لدى الخائفين والمتخاذلين .

خلال الشهر الأول بعد وقف اطلاق النار، تبين أن العدو يعزز ويحصن خطوط توقف قواته مما يوحي بانه لا يريد الانسحاب، وحل المشكلة، بل هو يعمل على تحصين مواقعه  للتمسك بها عسكريا، فاطلق  الجيشان العربيان السوري والمصري حربا جديدة  لمنع العدو من التثبيت بالخطوط الجديدة، اسميت شعبيا بحرب الاستنزاف،  اتصفت بالتبادل اليومي للنيران الموجهه لمواقع العدو لمنعه من تحصينها، كان طبيعيا ان يرد العدو على نيران قواتنا ، فيتم تبادل النيران بين مواقع الطرفين، ويتم ذلك بظل جولات  المبعوث الدبلوماسي الأمريكي الساعي للوصول الى حل يرضي الطرفين، وينهي جولة القتال  الدائر. مما اطال زمن الحرب  لما يزيد عن سنة كاملة.

واطال  أيضا مخاوفي  الثابتة والمتجددة، التي فشلت الحماسة  المعنوية ببداية الحرب من تبديدها. استمرقلقي الدائم واستمرت مخاوفي  وخشيتي على زوجي الثاني. هي مخاوف واقعية بظل القتال الناري الدائر، كانت  لوعتي بزوجي الأول  ترفع من سوية  قلقي ومخاوفي على زوجي الثاني، لم أتمكن من  تجنبها  والتاثر بها  طوال مدة حرب الاستنزاف. خاصة انها تحولت بالاشهر الأخيرة من شكل تبادل ناري بين الطرفين كل بمواقعه، الى شكل جديد من الهجمات المحلية والاغارات  والكمائن المتبادلة، مثل هذه الاعمال تدخل بصلب اختصاص ومهام وحدات المظليين.

الا ان غياب الرجال عن بيوتهم بات اقل وطأة ، فنظمت  أدواراذونات وفق الترتيبات العسكرية تسمح للعسكرين بالنزول لبيوتهم وقضاء وقت قليل ومنعش،  بين افراد اسرهم يفرحون معهم، يتبادلون  حديث القتال  وتطور المفاوضات،  وقضاء بعض الحاجات والاهتمام بدراسة الأولاد، مما يريح نفوس الجميع  الأب والامهات والأولاد والجيران والاقارب والمعارف. 

في كثير من الأحيان ما ان يعلم الجيران والأقارب بوجود  الاب، أو الزوج  او الأبن  العسكري بالبيت حتى يتوافدون يسلمون عليه ويتبادلون حديث الاخبار واياه ، يسألون عن حالة الجبهة، معنويات القوات، عن التوقعات  فيما اذا كانت المفاوضات ستنتهي باتفاق ام سيتفجر القتال  الهجومي ثانية وتعود القوات تتحرك ضد مواقع كل منها للسيطرة عليها وطرد العدو منها وهكذا.

ما ان يصل الاب ويطل  بهيئته العسكرية الميدانية  وهيبته الشخصية، حتى يتراكض الأولاد، المنتظرين وصوله  يحضنونه ، يتسلقون اكتافه ويديه، والصغار يجلسون بحضنه، هذا يقبله وذاك يساله هذا يدفع هذا بعيدا لياخذ مكانه، وعلى الاب ان يرضي الجميع ، بل ويرضيني انا، لان نفسي تواقة لحضنه ارتاح من هموم قلقي ومخاوفي  وارغب بان املأ نفسي وروحي من رائحته وملامسته ودفء حضنه وقوة محبته واشتياقه وشهواته، فانافس الأولاد لحضنه،  بحجة اني احمل الصغير بحضني لاجلس واياه بحضن ابيه .

كان يوم دوره بالمبيت معنا يوم فرح داخلي عميق بعمق بئر روحي  وصفاء محبتي، وقوة قلقي عليه وخوفي من فقده، ينتابني إحساس اني يجب ان التصق به وانصهر  بين خلاياه  وبين ساعديه وساقيه وانامل يديه ، فانا بحاجة لكل خلية من خلاياه  ولكل أصابعه  وشفتيه وصدره وقلبه  وذكورته ، بل وطاقة شهوته، فيمنح بماء رجولته لحياتي حياة جديدة، وقد يدعمني بروح جديدة  تمكنني من الاستمرار قوية وانا انتظر دور مبيته التالي.

أخيرا انتهت حرب الاستنزاف، واعلن اتفاق جديد بين المتحاربين،  بموجبها انسحب العدو متراجعا  واعيد رسم الخطوط والمواقع ، وسادت ثقة بأن جولة من الهدوء ستطول وسترتاح الناس من خسائر الحرب ومآسيها... كان بالنسبة لي ولكل افراد اسرتي دون استثناء ، اهم ما يشغلنا ويجذب اهتمامنا وسعينا، املنا بان يكون مفقودنا الغالي ما زال حيا بين يدي  العدو، هو امل ضعيف، كبصيص نور بليل حالك داهم،  لكننا لم نتخلص منه، خاصة ابنته  واحلامها واحاديثها عن عودته، وكيف سترافقه  ولن تتركه ابدا طوال حياتها.

غدا اتنظار تبادل الاسري واستلام قائمة بأسماء  المحررين والعائدين لوطنهم وبيوتهم من اهم اهتماماتنا وانشغالنا،لا بل خفق قلبي بالحب له ثانية، كنت باعماقي انتظره انتظارمحبوبة لحبيبها، وأحاول إخفاء ذلك عن زوجي الثاني حتى لا أجرح عزته  واقوض مشاعره نحوي، هي حالة جديدة انتابتني وزادت من  اتعاب نفسي ونفسيتي، واضطر  أحيانا ان ابرر حماستي  لزوجي بخشيتى على ابنتي من صدمة نفسية تؤذيها. فيبتسم زوجي لي بحنانه المعروف ويقول ،افهمك وافهم نفسيتك ومشاعرك واحترمها بقدر حبي لك ، لا تقهري نفسك  ابق مرتاحة معي فانا افهمك، ولأني  افهمك احبك، ثقي بي لن اتخلى عنك حتى لو عاد مفقودنا  كما نتأمل ، ثم لا تنسي انك ام اولاده وام اولادي ايضا، فكيف لا افهمك...؟؟

كان  يكرر مثل هذا الكلام كلما وجد ضرورة لذلك مما  يريحني الى حد ما، فيزيد الامل بعودة  حبيبي المفقود، فاتسائل بيني وبين نفسي  ان عاد فعلا، لا اعلم كيف ستسير أمور علاقاتي انا وهو...؟؟ وانا وزوجي...؟؟  وأنا واولادي من ذاك  ومن هذا الاب ..فيتجدد القلق بنفسي لكن بشكل اخر، هو قلق مستمر متطور متبدل متغير لكنه القلق الذي يرافقني ولا يبارحني .

اهتم زوجي بمنصبه الجديد وقد غدا ضابطا قائدا لكتيبة المظليين ذاتها ، ان يتاكد من ادراج اسم زوجي المفقود بين قائمة أسماء أسرانا، ولما راجع الأركان بهذا الشأن اكدوا له ان اسمه من أوائل الأسماء لانهم رتبوا الأسماء وفقا لقدم تواريخ فقدهم  أواسرهم .

كان علينا ان ننتظر وان نتابع مع الهيئات الدولية المكلفة بموضوع تبادل الاسرى خاصة منظمتي الصليب والهلال الأحمر الدوليتين.

مع التسليم بان حياة  مفقودنا امر مشكوك فيه  بل بعيد المنال، وان وفاته هي الحقيقة التي يجب ان نتقبلها، الا ان احتمال  حياته قد خلق  بعقلي، العديد من  القضايا والأفكار والاحتمالات بل والصعوبات التي ستواجهني فيما اذا تبين انه ما زال حيا يرزق، بل ما هو وضعه الصحي  وسلامته الجسمية وحالته  النفسية  ولا اعرف ان كان زوجي الثاني قد عانى من مثل هذه الأفكار.

بل خاطرني كثيرا ما هو مصير طلاقي من زوجي الأول وما هو مصير زواجي من  الثاني، هي مسائل تحمل صعوبات عاطفية ثابتة بنفسي وخطيرة لي ، وصعوبات  قانونية  شرعية واجتماعية إنسانية يجب مواجهتها ،  قد تضرب استقرار اسرتي وخاصة استقرار علاقة اولادي منه  مع اولادي من زوجي الثاني.

كانت تداهمني هذه الأفكار والصعوبات بالرغم مني، ولا استطيع التحرر منها، ولا اجد حلولا لها ، كان من اصعب ما يخاطرني  السؤال اين ساقيم انا وزوجي الثاني  واولادي منه، او اين سسيقيم هو لو عاد حيا وقد توفي والداه اسى وحزنا عليه، ولم يبق له احد يهتم به، ولا مكان  يقيم به ، كنت اخاطب نفسي  لما تداهمني عاطفتي نحوه  لن اتخلى عنه ، سارعاه كما ارعى أولاده. اعتقد لن يعترض زوجي فهو انسان وانسانيته عالية ، لكن اين سيقيم خاصة بالايام الأولى فيما اذا ما زال حيا ،وعاد مع  الاسرى.

 

 4 - اليوم المشهود واللقاء الحاسم

أخيرا أعلنت الجهات الدولية، لائحة بأسماء الاسري الذين سيتم تحريرهم ، وكانت المفاجأة ...ان اسم زوجي الأول  المفقود منذ ما يقارب عشر سنوات قد ورد بين أسماء المحررين، والمدهش  بردة فعلي ان انهرت بالبكاء، لكنه بكاء سعادة وسرور  وفرح شامل، اردد عاد حبيبي ...عاد حبيبي، انهار معي الاولاد يبكون على بكائي ، بينما زوجي  اعتراه فرح شديد وسعادة غامرة،  احتضنني  يضحك ويحملني ويدور بي ، وانا ابكي  فعدلت كلامي  احتراما له وصرت أقول عاد الحبيب واصرخ عاد الحبيب ، وزوجي يردد  وهو يعلن سعادته

أخيرا عاد صديقي حيا يرزق، عاد الأخ الذي سقط قلبي من بين ضلوعي يوم كلف بتلك المهمة، فاردد معه  عاد حبيبنا ..

قال زوجي يخبرني اتعلمي ...؟؟  يوم انطلق بالمهمة انتابني إحساس انه ذاهب ولن يعود، وما توقعته قد حدث.

واضيفي لمعلوماتك،  يومها ودعته وداعا حارا، بقيت ارافقه حتى لحظة اقلاع الطائرة السمتية بهم، هو ورفيقاه، بقيت واقفا ارقب  الطائرة حتى غابت عن مجال رؤيتي خاصة بحلول الظلام، لقد اختيرت ليلة يكون بها الظلام دامسا والقمر محاقا، لضمان الوصول  السليم لموقع الهبوط،  ثم التحرك لمكمن آمن بعيد عن موقع الهبوط، ومنه يتحركون باتجاه هدفهم، وهو استطلاع موقع معاد بالعمق التكتيكي، يثير شكوك القيادة حول محتواه من سلاح  خاص او أجهزة الكترونية، ودراسة إمكانية مهاجمته مستقبلا  لتدميره بعملية خاصة.  يعودون بعدها تسللا عبر خطوط دفاع العدو، على صعوبتها وخطورتها، وضعف فرص نجاحهم بالعودة سالمين، كنت على اطلاع  على تفاصيل مهمته لاني كنت البديل للتنفيذ اذا حدث طارئ ما يمنعه من قيادة المهمة او اذا تشكل  ظرف يسمح بالتدخل لانقاذهم واستعادتهم . كان هذا من بين الأسباب التي   جعلتني مهتما بالبحث عن مصيره والاهتمام بك  وبالاولاد. إضافة انه  أوصاني بكم خيرا قبل انطلاقه. كنتم اخر كلام سمعته منه بتلك الليلة.

 كان زوجي يحدثني ودموعي تنهمر، بينما  جلس ابني البكر باكيا بهدوء ساكنا، يسمع  ويراقب، ولا يبدر عنه ما يؤشر لفرح غامر او الم صادم، اما ولدي الصغيرين  من زوجي الثاني فكانوا يبكون  لبكائي، لانهما لا  يدركان  سبب بكائي،  انحنيت اليهما  اجفف دموعهما  وامسح دموعي واهدأ نفسي لاهدئهما  وأقول لهما يجب ان نفرح مثل بابا لان بابا  المفقود سيعود. فاجأتنا ابنتي  تردد صارخة  كالمذهولة، الم اقل لكم ان بابا سيعود، كنت اراه وكان يحدثني واحدثه وانتم لا تصدقوني ، تعتقدون اني مريضة ، كيف أكون مريضة وانا أراه وأسمعه ،وتوجهت للصغيرين  تقول لهما هو يحبكما  وانتم ستحبونه ، لقد اخبرته عنكما.

ما ان سمعت ابنتي وهي تقول  لقد اخبرته عنكما، حتى ، احسست كأنني كنت غريقة تحت الماء وارتفعت  فجاة فوق سطحها، بل كأنني كنت منومة وقد صحوت، أو كأنني كنت بحلم واستيقظت، أو كانني كنت مغمورة  بضباب  يحجب عني الرؤية وقد قشعت مع انقشاع الضباب.

أدركت اني بمأزق كبير، غدا او بعد غد سيأتي المسكين مطمئنا أنه عائد لبيته، ليكتشف أن لا مكان له هنا، سيكتشف أني قد طلقته وتخليت عنه، وتزوجت غيره وأنجبت من زوجي الجديد، وأن زوجي الجديد هوأعز أصدقائه، سيكتشف أنه تحرر من  غدر العدو، لغدر اكثر إيلاما من أعز أحبابه، من حبيبته  زوجته وأم أولاده ومن صديقه الأعز، وأن بيته محتل، كأرض وطنه المحتلة، ولم يعد بيته، ولا بيت آخر يأويه بوفاة والديه ، أين سيذهب ...؟؟ أين سينام...؟؟ أين سيستحم ويأكل ويشرب من سيهتم به ، أسئلة كثيرة على نمط  من... وماذا... وكيف...؟؟ انقلب حالي من باكية عن فرح بعودته، لمذهولة حائرة، برأسها الاف الأسئلة ولا تجد جوابا لها، نظرت لزوجي ،خائرة  القوى وحائرة مذهولة، بل ومصدومة، بادلني زوجي النظرة بنظرة حنانه التي أعرفها قال

 ماذا...؟؟  ماذا... ما بك...؟؟

قلت المسكين سيضيع اين سيذهب ...؟؟ اين ينام ... اين ياكل ...اين يستقبل المهنئين والناس والزوار، ما مصير عمله...؟؟ كيف سيعيش...؟؟

 ودبت بنفسي حمية وحماسة،  سأدعي انها إنسانية اكثر منها حمية الحبيبة لحبيبها، فقلت بحزم لعله  اول قرار حازم اتخذته منذ افتقدته،

  لن أتركه يضيع، سأقف الى جانبه  ، سأقاتل من اجله.

لمحت ابني فاغرا فاه ، وهو يسمع تساؤلاتي ومدهوشا...!! لكنه لم ينبس باية كلمة، فقط ينظر وحدقتا عينية  لا تتوقفان عن الحركة السريعة  متنقلة بين الوجوه .

بهذه الأثناء، وصل عمي / حماي وحماتي/ من زوجي الثاني، دخل مباشرة وهو يقول بصوت عال أقرب للعصبية منه للهدوء،

 ها قد حصل ما كنت أخشاه

 الرجل  ما زال حيا، وها هو قد عاد، وتوجه لابنه مخاطبا إياه  بلهجة أقرب للتوبيخ،

 ما كان يجب أن تسكنا هنا بل بغرفتك ببيتنا لكنك سمعت لها، وأشار بيده  بقوة لي ،

 ولم تسمع لكلامي

 ماذا انت فاعل الان...؟؟

 البيت بيته...

رد زوجي الثاني على ابيه قائلا  بهدوء،

 يا ابي  بارك لنا بسلامته، وبارك لأولاده بسلامته، فرد اباه مبروك جدوا ومبروك للجميع، متجنبا ان يبارك لي بشكل خاص، وتابع زوجي  الكلام لابيه:

 ... لا تقلق...

سأبقى أنا هنا وأرسله لغرفتي ببيتكم فهو بمثابة ولدك أيضا...

تفاجأت بابني البكر يقول بصوت عال وحاسم. وهو يوجه كلامه للجميع وخاصة للحماي

  .. لا...لا... ابي لن يذهب لاي مكان... هذا بيته...

 وأنا  ابنه ومسؤول عنه ...

ونظر لي نظرة حازمة وقال

 وأنا من سيرعاه ،ان كان ضعيفا، وأما ان كان سليما، لن يحتاج لرعاية أحد ما...وكأنه يقصدني ويرد على كلامي أني لن أتخلى عنه وسأرعاه.

 يا الهي أي موقف هذا يضعني فيه ابني ...

كأنه يطردنا...وهو يقول هذا بيته.

 لم يعد صغيرا لقد نضج مبكرا، نعم هو المسؤول عنه  قانونيا وشرعيا واجتماعيا وانسانيا ولا أحد غيره . هو أهله وعزوته باعتباره ابنه البكر، سواء كان يدرك هذه المسؤوليات بعقله وفهمه، أو أنه فقط يتجاوب عاطفيا مع وضع وحالة أبيه- الميت الحي - كما يقال . لم أستطع تقدير مصدر هذا الموقف الواضح والسليم من ابني بكري ، الا انني احسست بانه يقود دفة سفينة متهالكة، وبدون موقفه الواضح هذا ستغرق سفينتنا، لقد حل مسالة رعاية وإقامة مفقودنا العائد حيا ، وتركنا  نحن نقرر ما يجب أن نفعله أنبقى او نغادر. وفقا لكلام حماي.

موقف ابني ، أصابنا جميعا بوجوم شامل ، ساد صمت داهم،  طأطأت راسي  للأرض، أفكر كيف سأتصرف، وقد بدأ يتسلل لنفسي إحساس باني صرت كأني غريبة عن هذا البيت ،عزّ على ذلك ، عادت دموعي تتساقط  رغما عني ، زوجي صمت أيضا، فقط  ينظر لي وكأنه يستجديني راي وموقفي ، هي المرة الأولى منذ فقدان زوجي ودخوله لحياتي  باعتباره زوجي الثاني  أشعر انه محتار لا يملك قرارا وينتظر قراري.

حماي  وحده من تكلم بعد فترة سكوت وقال مخاطبا ابني، والله يا بني إن عقلك لكبير ووحدك من يفهم مايجب أن يكون، البيت بيته ، والباقي ضيوفه ، تفضلوا فاليذهب كل الى بيته.

عاد ابني يتدخل بسياق الكلام وقال موجها كلامه لحماي خاصة    لا... لا... يا عمي لن يذهب احد من هنا ، فكما ان البيت بيت ابي العائد من الأسر، فهو بيت أمي أيضا، وبيت كل أخوتي، وتوجه بكلامه لزوجي الثاني وبيتك يا  أبي وغدا ساذهب واياك ونحضره، وأمي سترعانا جميعا ... وأبي العائد حيا سيقيم هنا معنا .

رقص فؤادي بأعماقي ، نعم هذا هو  الحل ، لا حل غيره ، لانني لا استطيع الابتعاد عن أي من اولادي  وغدوت مرتبطة بزوجي الثاني ارتباطا  لايسمح لي بالتخلي عنه ، اضافة لتعلقي العاطفي بالاول، وقد صار طليقي،  وبعد عودته واستقرار أموره عليه هو أن يقرر مسار حياته ، ولن استبق الاحداث...بالنسبة لي ساستسلم  لقدري راضية وشاكرة ربي .

 كبر إبني وبكري بعيني ، ورأيته رجلا  قبل أوان رجولته، واضح  ان فقدان ابيه قد حرض وعيه مبكرا، وصوب رؤيته وأحاسيسه وأوضح مسؤولياته بعقله وقلبه المرهف. 

نظرت  استفهم موقف زوجي ، كان ما يزال ساهما صامتا ، دون ان يقول أي كلام، تقدمت منه ابنتي  وقالت له

 - بس يجي بابا رح تاخذنا ناكل بنادي الضباط، هيك انا وعدته،  ووافق ان يروح معنا -  

لم يكن أمامه الا ان يحتضنها ويقبلها ويعدها قائلا

 تكرمي يا بابا سنذهب واياه لنادي الضباط وناكل جميعا من طعامهم الطيب، ثم لا تنسي أن باباك ضابط  مظلي  مثلي، ويمتاز عني أنه بطل . وسيأخذك هو كثيرا  للنادي فأجابت ببساطتها...

- بعرف... بعرف  لكن أول مرة بس يجي انت  بتاخذنا، بعدين بصير ياخذنا هو –

 

حسم ولدا المفقود الأسير كل المشاكل ، مما اضطر حماي ان يتوقف عن الكلام العصبي والتحريضي ، كبر الأولاد بنظر الجميع ، أخذا قراراتهما بجراة واضحة هم أبناء أبيهم ورثا ذكاءه وقوة شخصيته، هو بطلهم. وقررا مستقبل أسرتنا. كانت رؤيتهما بسيطة  سهلة  بعيدة عن  تعقيدات المجتمع  والقوانين والشرائع ، التي لا يدركاها، ما فهماه ببساطتهما أن إباهما العائد من الاسر يعود لبيته واليهما، وانتهى الامر  لديهما عند هذه النقطة .

 عادة يتم  تبادل  الاسرى  باشراف المنظمات الدولية، فهم زوجي أنه بعد استلام الاسرى، سيتوجهون للمشفى العسكري الأول، حيث ستقوم لجنة طبية  باجراء الفحوص الضرورية الصحية لهم، وتقديم ما يلزم من إسعافات  أولية  ومن تثبت سلامته أو يكون قادرا يغادر لأهله ، ومن يكون بحاجة لرعاية صحية طويلة  يتم توجيهه للمشافي التخصصية  المناسبة ... ومن المشفى يتم  استقبال الاهالي لذويهم من الاسرى المحررين.

صباح يوم التبادل، استيقظ  زوجي مبكرا، وايقظ ابني البكر وقال له هيا، فهب  نشيطا، اغتسل وارتدى ثيابه  وقبل ان يغادر مع أبيه، أتى الي قبلني وقال

 سنعود ومعنا البابا، حضري لنا أطيب طعام، وغمرني  وقبلني، وغادر ممتلئا بفرح غامر، وهمة عالية، وحماسة لصبي أدركته الرجولة مبكرة مع رجل حياتي الثاني.

غمرني انا أيضا فرح بعودة حبيبي، لكنه فرح مشوب باشكال شتى من القلق، لا أعرف وضعه الصحي ولا مدى سلامته الجسدية والذهنية، ولا أعرف كيف سيكون موقفه لما يعرف  واقع حياتي واسرتي وزواجي الثاني، ولا أعلم كيف ستسير حياتي بل حياة اسرتي بكاملها، أتبقى مجتمعة موحدة، أم ستتبعثر وتتفرق، وأكون انا الضحية الأكبر، كيف أُقسّم قلبي ومهجتي واهتمامي ورعايتي لاسرتي، وقد بعثرتها عاديات الأيام والزمان،هذا زوجي  وهذا حبيبي  وزوجي الذي صار طليقي،  وهؤلاء وأولاء كلهم أولادي... حملتهم  برحمي وبه تكونوا...!!!

 كيف ساقابله...؟؟

 كيف أُقبّلهُ...؟؟

  وكيف سيقبّلُني ويحضنني وهو يعتقد اني ما زلت حبيبته وزوجته...؟؟

 هل اتجاوب معه...؟؟

 ام اعتذر...؟؟

 ام اتجنب السلام عليه...!!

 لا اعرف...!!

 لا اثق ان زوجي سيقبل  بعاطفتي نحوه  أو يرفضها...!! أفهم انه قبلها خيالا بعقلي ووجداني، بل واحترمها، لكن هل سيقبلها حقيقة ماثلة أمامه...؟؟

 لم يكن فرحي بعودته كاملا ولم تكن سعادتي صافية. بنفسي قلق ومخاوف وأفكار لا تسرني .

ورغم كل قلقي نهضت ليومي ولبيتي أهتم به اهتماما غير عادي، فحبيبي أصل هذا البيت

 عائد اليوم

هو زينة بيتي مىنذ اليوم

بل ورده وريحانه

 هممت أنظف وأرتب البيت، يجب أن يراه نظيفا ومرتبا كما عودته  قبل  تلك المهمة اللعينة...وسأحضر اطيب طعام كان يحبه  وهذه إرادة ابني أيضا،

هل سيكون قادرا ان ياكل بنفسه...؟؟

 لا مشكلة سأطعمه بيدي

 لعله فقد يديه

او فقد رجليه سأسنده ليسير

او فقد بصره

ساقوده ببصر عيني

او فقد قدرته على الكلام

       ساتعلم واياه على إشارات نتفاهم بها

  سأحممه

 وأسرح شعره

 وأحلق ذقنه كل يوم، كما كان يلتزم يوميا بحلاقتها

سأعتني بلبسه

سأجدد أطقمه

تلبق له  القمصان البيضاء مع ربطات العنق الغامقة

سأعيد له جمال طلته

 وشبوبية هيبته

 وضحكته

 ولمسته

و قبلاته

ساستسلم  لعناقه

 وروعة همساته

  وأشواقه

وشهواته

 سأعوضه... سأعوضه... سأعوضه.

وصحوت من انفعالاتي بل هلوساتي، لاجد نفسي واقفة بمكان واحد لا افعل شيئا الا الاستسلام لاحلامي ، استغبيت نفسي وانا اردد كيف نسيت اني صرت زوجة رجل آخر، وأردد علي ان اتمالك اعصابي وان احترم نفسي حيال زوجيّ الاثنين ، وعدت استغبي نفسي ثانية كيف أقول زوجيّ وانا طليقته ، يجب ان أكون رسمية معه دون انفعال  بل ارحب به كصديق عائد من الأسر، تبدلت الأوضاع الصديق غدا زوجي والزوج غدا صديقه .  شددت شعري اكاد أنتفه، وهمست عودي للعمل خيرا من كل هذه الهلوسات.

اقتادت البنت  اخويها الصغيرين، وتسلقت أحد النوافذ وإياهم ، تحدثهم عن بابا  الذي سيعود بعد قليل، يجب ان نراه لما يصل ونخبر الماما أنه وصل.

انصرفت انا للبيت وتحضير الطعام ، وكما تقول ربات البيوت ما أن ركبت الطبخة على النار حتى انصرفت لنفسي أستحم،  ارتدي ثيابي، وأتسرح وأتزين، كنت متحمسة وراغبة ان ابدو كما كنت ليعرفني، لا شك الزمن غيرني قد لا يعرفني، فتحت خزانتي وامتدت يدي دون تخطيط  لفستان سبق وأهداني إياه، فارتديته  بعفوية.

  كنت اتصرف تلقائيا، كماكينة تعمل بزر كهربائي ، نعم لم اكن مسيطرة تماما على  قراراتي وسلوكياتي كان عقلي الباطن هو الفاعل وهو الآمر والناهي.

ما كدت انتهي من ارتداء ملابسي، حتى سمعت ابنتي تقول

 لقد اتوا وبابا مو معهم

 قلت اذا وضعه الصحي سيء ويحتاج لعلاج، هذا متوقع، شملتني حالة من خيبة الأمل.

 دخل زوجي باسما، ابتسامة باهتة، بها فرح وبها حزن، وردد

 مبروك...مبروك... لكنها مباركة من غير حماس.

 القيت  اليه نظرة تساؤل  وسالت هامسة،  اينه...؟؟؟ ما به...؟؟؟ نظر باتجاه الباب وكانه يقول لي ها هو شوفيه،  ودلف خلفه رجل يسير متسندا بيد على عكازة ويمسكه ابني من يده الحرة، وبعينيّ ابني نظرة اسى وخيبة أمل،  أما هو بعيونه نظرة بحث  واستفسارواستقصاء، وتفترُّ شفتاه عن طيف ابتسامة بها فرح واضح ، تابع يقوده ابني ويتقدمان باتجاهي ...

 كنت مذهولة

 وتتردد بعقلي كلمة متضرر...المسكين متضرر

  لم أنطق بكلمة صريحة،  ولم أندفع نحوه  فقط أتفحصه بعيوني دون ان الامسه، عيونه غائرة بمحاجرها ووجنتاه غائرتان ايضا ، وبكل جسمه هزال ووهن، والارهاق واضح عليه، وخطَّ الشيبُ بعض خيوطه متسلللا بوقاحة بين سواد شعره الا اني وجدتها واقعية وجميلة.

 مع اقترابه مني تركزت عيناه باتجاهي  وازدادت ابتسامته إشراقا، وأعادت له بعض وسامته، وبقايا من شبوبيته ، حدق بوجهي قليلا،

وافترَّ ثغره عن ابتسامة مملؤة بفرح وشوق ولهفة،

 هي ابتسامته  التي تعودت عليها،

 أعرفها ولا أنساها،

 وصار يردد اسمي ،كانه يناديني من البعيد من مأسره ، ومن  الماضي الذي طواه الزمان،

 بدأت أبكي وتنهلُّ دموعي سيالة على وجنتي وخدودي، رددت أقول له وانا اردد اسمه

 الحمد الله لرجوعك لي سالما

 مد يده باتجاه كتفي أدركت انه يريد ان يستند علي ليحتضنني، فاقتربت منه أمكنه،  ثبت يديه فوق كتفيَّ مستندا  وغمرني، ويقول وهو يردد

 كم اشتقت اليك

 لم تفارقي عقلي ابدا

 كنت خفق الحياة بقلبي

 وسر صمودي على العذاب والغياب

 لم أفقد الأمل باني سأراك ثانية

 وأجتمع بك ثانية

 وأحتضنك ثانية

 اعرف انك تزوجت لكن ليس بمقدوري إلا  ان  أحتضنك سامحيني،

 والتفت لصديقه زوجي الثاني وقال له

 سامحني أنت تعرف كم هي عزيزة على نفسي

  رد زوجي وقال له

لا تتردد احتضنها كما تشاء لن أحرمك منها ولن أحرمها منك

 وترنحت وقفته...  يجد صعوبة بالوقوف دون مستند، خشيت ان يسقط ، فاحتضنته وأمسكته بقوة، ونظرت الى زوجي ليساعدني .

 تعاونّا على إجلاسه على أقرب أريكة، قال لي أرجوك أريد أن أشرب، هرولت أجلب له ماءا ودموعي لا تتوقف عن الانهيار، وصوت إجهاشي بالبكاء مسموع للجميع ...الاولاد كلهم صامتون يراقبون مندهشين ولعلهم فزعين، ناولته كاس الماء بل رغبت ان أسقيه بيدي، تناوله وشربه وردد ما أطيب ماء مدينتنا ، اووووه من زمان لم ارتوي من ماء نبع فيجتنا  الطيب  والصافي ، وناولني الكاس يريد مزيدا، عدت أهرول لاحضر له ماء ، تبعني ابني البكر واحضر زجاجة ماء ...جلست قربه، أمسكت يده،  مسحت عليها بكل ما في نفسي من محبة وحنان، والقيت نظرة الى زوجي كاني استاذنه ان يسمح لي، انتبهت لابنتي بحضنه صامتة تراقب، وبعينيها نظرة ذهول واستغراب...!!

 خفت عليها ،ابتسم زوجي لي دليل رضاه،  نبهته بعيوني للبنت  كي يهتم بها،  تشجعت من ابتسامة  زوجي الموافقه، رفعت يده لقرب شفتي وقبلتها، ثم لمسّت على وجهه وقلت له

 انت ضعيف  لقد اساؤوا  لك الانذال ،

تطمن ساعتني بك وستستعيد عافيتك ، لن أتركك أبدا، ستكون برعايتي  اطمئن...؟؟؟

 وكأني أقول له سارعاك  رغم اني لم اعد زوجتك، تمتم بكلام لم أفهمه، لكنه كان يبتسم ابتسامته  الجميلة  فرحا  بكلامي، وتابعت  أبنك البكر،

 بل بكرنا،  هو رجل  بمثل رجولتك، رغم صغر سنه، كنت قدوته ومثاله  بل  وبطله، وتابعت  أتكلم بصوت عال لتسمعني  ابنتي، وموجهة كلامي له وأنا انظر لها،

 ان ابنتنا كانت تحادثك وتنتظرك وتصر أنك ستعود ، فنظر اليها وابتسم لها، وقال لها

 تعالي بابا،

 ترددت، شجعها زوجي ، يقول لها انه باباك وقد عاد.

 تشجعت... وقد ادركت ان اباها هو الماثل امامها، وليس كما كانت تتخيله، مد لها يده ، اقتربت منه وأنا وزوجي نشجعها، ما ان احتضنها وأحست بدفء حضنه وقوة محبته وحنانه حتى قالت له

بابا سياخذنا لنادي الضباط بعدين انت بتصير تاخذنا...

ما بدك تلبس ثياب  مثل بابا ، ثم اشارت لاخويها من زوجي  وعرفته عليهما هذا فلان وهذا فلان ، وتابعت

انتظرناك على الشباك انا واياهم  بس  لما رجعتوا ما عرفتك، فكرتك  غير واحد ، خبرت الماما انك ما إجيت ،

 وانطلقت البنت  تكلمه دون توقف وتلامس وجهه وشفتيه وتمسك يديه ولا تتوقف عن الكلام  تساله بطريقتها ...

 العدو كسرلك رجلك ما هيك ...؟؟

 ليش هيك ضعيف ما كانوا يطعموك ...؟؟

 ثم سالته ضربوك ...بدي اضربهم ، كان موقفها يتصاعد ، وانفعالاتها لا تتوقف وتتابع

كنت احاكيك كل يوم ما  كنت تسمعني فيرد بلى اسمعك  وكنت أرد عليك ، فترد عليه

 بعرف ...بعرف كنت أسمعك ، أخيرا احتضنته وصارت تقبله  ثم انهارت بالبكاء وتصرخ بابا ... بابا انا بحبك...

خفت عليها،

  اعادتنا جميعا لجولة جديدة من البكاء،

 قرر زوجي إخراجنا من هذا الجو، قال اكيد انت بحاجة لتستحم ، وانا جاهز لمساعدتك ، هممت ان أقول انا اساعده، واوشكت الكلمة ان تخرج من فمي لكني امسكتها، ومنعتها، وجدت مخرجا قلت له

 قم استحم  بينما احضر  الطعام، وأومات لابني البكر أن تعال ساعدني، قال زوجي أعطه  ثيابا داخلية من ثيابي، قلت

 بل اشتريت له  ثيابا جديدة ،

 نظر لي زوجي باستغراب باعتبار لم اقل له ، ثم ابتسم  مستسلما وقال هاتها ... وماذا اشتريت له أيضا...؟؟ قلت

 بنطالا وقميصا  وربطة عنق، وبيجامة للنوم ، وشحاطة للبيت  وحذاءا  أسودا جديدا لامعا.

 نهض متكئا على عكازته وقال،

 لا مشكلة  لا تعذبوا أنفسكم استطيع ان اخدم نفسي ، لا تقلقوا كثيرا علي .

 أسرعت  أجلب ثيابه الداخلية، واقتدته للحمام، وأريته اين وضعت ثيابه، وسالته ايستطيع ارتدائها لوحده  والا فزوجي سيساعدك...؟؟  فكان ذكر كلمة زوجي اعترافا مني بالواقع الجديد...!!

 رماني بنظرة لم ادرك كنها لها، أهي نظرة حب، أم حزن، أم عتب، أم تانيب، أم رضى ،أم غضب أم ماذا...؟؟ أم كل هذه المعاني مجتمعة بنظرة واحدة...؟؟  سرقت من وجنته قبلة خاصة ، ابتسم...  وقال

خيرا فعلت أن تزوجت من فلان وذكر اسمه .

 لم اجد ما أقوله سوى أن أنسحب تاركة  له ليستحم بحمام  بيتنا  منذ سنين.

ما أن ادرك بكري / ابنه/ انه انهى استحمامه حتى كان ينتظره قرب باب الحمام ـ يساعده ويقوده  لغرفته، غرفة الأولاد، حيث وضعت ثيابه الخارجية ليرتديها . مما أوحي لي ان ابني البكر يفهم واقع الحال أكثر مما نعتقد انه يفهم . وانه يترجم فعلا  ماقاله  قبل يوم... هو ابي ولا احد غيري سيرعاه.

 

        ساعدني زوجي على مد مائدة الطعام، بينما ابني كان منصرفا يتحادث مع أبيه ، وتجاوبت إبنتي  نحوه  براحة نفسية أكثر، تجالسه  وتكثر النظر للساق المعطوبة، وتتسلقه ولا تكف عن الكلام ، كان عقلها وخيالاتها مليئان باحلام  وأحاديث عدة سنوات مضت ، وشاركهما ولدي الصغيرين ، التقرب منه، يقلدان أخويهما... ويخاطباه بابا وهو يبتسم للكل ويجيب الكل ويداعب الكل ... ارتاحت أساريره  بعد الحمام،  وحُسن استقباله ببيته والتفاف الأولاد حوله، وارتداء ثيابه الجديدة ، فتحسنت طلته وهيئته خاصة وقد حلق ذقنه وبدا اشراقا بوجهه لم يكن موجودا لحظة وصوله.

عند اكتمال مد الطعم على الطاولة ، دعوت الجميع  وانا اردد ...يلا عالغذا... تراكض الأولاد  كل جلس  بمقعد اختاره، سحب زوجي كرسيا وجلس، ساعد بكري أبيه  ليقف، واقتاده للمائدة وأجلسه قرب زوجي، كنت واقفة أراقب ويتملكني إحساس  جميل ، وتراودني  خاطرة اني ربة هذه الاسرة الكبيرة،  بكل أشخاصها وضمنا حبيبي  العائد من الأسر والذي غدا طليقي . غمرتني سعادة وفرح، أنعشت معنوياتي، تشجعت  واقتربت منهما ، من زوجي وحبيبي وقلت لهما أوسعا لي مكانا بينكما، فانتقل زوجي لمقعد آخر وجلست بينهما، قبلت يد زوجي شاكرة تعاونه، وقبلت وجنة حبيبي، وأردد

 لا تقلق كلنا سنرعاك.

 قال أسرتك جميلة

 قلت انت المؤسس، وهي اسرتك أيضا، أجاب

 انت تشرفيني ، وأعرف أنك أصيلة، وكان هذا من اهم اسبابي بذلك اليوم الذي شكوتك به لابيك.

يا الهي... هو يعود بي لذكرى، من أجمل ذكريات حياتي واحلا أيام عمري، يوم طلبني من أبي  بهذا الأسلوب، فأجبته  بجدية وقلت اكرر

 انت المؤسس، هي اسرتك أيضا.

 تابعت،  لا اعلم من اين اتتني هذه الكلمات أوجه كلامي لزوجي  ولطليقي معا

كما انا ام كل هؤلاء الاولاد فانتما أبويهما.

القيت كلمتي كمن يلقي قنبلة  ويهرب  مبتعدا عنها، هربت أنا من فيض عواطفي وذكرياتي ، أشغل نفسي  فاهتم بتوزيع الطعام ، وإطعام الصغار . نهضت مبتعدة عنهما  اهتم بأصغرابنائي واخذته بحضني وبدأت اطعمه لقمة اثر لقمة.

والبي طلب البنت تارة ، وابني بكر زوجي تارة.

 استفاد ابني البكر من ابتعادي عن مقعدي،  فنهض وجلس مكاني بين أبيه ...وأبيه،  يستمع لحديثهما حول  معاناة طليقي خلال سنوات الأسر  والقهر والغربة الظالمة ...مما دفعني أساله لماذا لم يعترف العدو  بوجودك...؟؟  قال  حقيقة لا أعرف أسبابهم بالضبط،  لكن أعتقد لأنني لم أعترف لهم بالمهمة المرسل من أجلها، رغم كل اصرارهم وتعذيبهم لي، ويرددون وكانهم يمزحون ، أنت أسير حتى الممات، ولن يعرف مصيرك أحد ولا حتى أهلك، خاصة زوجتك التي تحبها، وألقى نظرة لي ، وتابع  فاجيبهم اذا اقتلوني الآن فتحققون كل ذلك وينتهي الأمر، فيرفضون وهم يقهقهون قهقهة هستيرية  لا ...  الموت يريحك، سنتركك تتعذب أنت وهم .

لا حدود لعبقرية لؤمهم.

 بعد انتهاء حرب تشرين ،اعتبرت أن مهمتي حققت هدفها  فاعترفت لهم بها وانا اخاطب نفسي لعلها من أسباب عزلتي عن باقي الأسرى ، لان كل أملي ان لا يتركوني معزولا، ولم أحلم انهم سيعيدوني  لبلدي، ولعل تمسك دولتنا بالمطالبة بي  سبب  كشفهم عن وجودي بصفقة  تبادل الاسرى، لضمان الافراج عن كل أسراهم. تحسبا لاحتمال احتباس دولتنا احد اسراهم، مقابل  كشف مصيري  وقد يكون هناك غيري وربما من دول اخرى، لانه ثابت اني باراضيهم سواء حيا اوعظاما،  الا أني لا أعرف  بالضبط أسبابهم... وسأله زوجي ، ووضع رجلك ، قال عند الانزال بالليل تعثرت  بصخرة كبيرة  لشدة الظلام ، وتعرف اندفاع المظلة فتضررت ساقي، ولما حاصرونا  والقوا القبض علي ، ركزوا ضربهم وتعذيبهم، على ساقي المتضررة، فزادوها ضررا، وتفاقمت  الحالة من قلة المعالجة  التخصصية  فتفاقمت الإصابة ، إضافة  لاهمالهم  المقصود  وخدماتهم الصحية السيئة لي ، بالمناسبة  كنت اسيرا دوما بزنزانة  وحيدا ما كانوا يسمحون لي  الاختلاط او التواصل مع  الاسرى الاخرين ، أيضا لا اعلم سبب هذا  التشدد وهذه المعاملة، ربما ليبقى مصيري مجهولا ، لقد امتلكوا من اللؤم بما يكفي  لان يبقوني حيا على شفا الموت، دون ان يسمحوا لي بالموت.

ساله زوجي ما مصير  رفيقيك، قال لما حاصرونا، تبادلنا واياهم بعض النيران ، على امل التملص والعودة تسللا ، وفق خطة العودة  بحال الفشل والانكشاف ، للاسف استشهدا، بالساعة الأولى  بعد النزول .ولم اعد اعرف شيئا عن مصير جثمانيهما، ولما اسالهم عنهما يقولون ماتا ودفناهما . يجب المطالبة برفاتهما.

اجتذب هذا الحديث انتباه الجميع، ما ان تسمع السؤال، حتى تتركز انظارنا نحوه منتظرين الإجابة منه ، فيسود هدوء وسكون تركيز، لسماع  الاجابة ،حتى من اصغر الصغار، سالته ابنتي  بابا هل ضربوك، نظر لصديقه / زوجي /، وهز لها راسه ، وتابعت تساله وكنت تتوجع فاجاب طبعا لكن لم اكن اصرخ، اتحمل الألم واعض على شفتي حتى لا اصرخ ، وكانوا ينقهرون، فيزيدون ضربهم ، رددت بحماس ساضربهم ، وصاح بكر زوجي  وقفز عن كرسيه واقفا ويردد  بقبضة يده بابا انا ساضربهم ايضا ، فدعاه اليه وحمله  وقبله وقال له ستكون بطلا.

استخدام كلمة بابا من كل اولادي ، أرضاني ، فدبت بأعماقي راحة نفسية شاملة ورضى وسعادة  ام  تلم أسرتها وتجمعها  بمحبتها وحنانها  لاولادها ، وبقوة ارتباطها بزوجها وبعشقها لحبيبها زوجها الأول  الأسير العائد من الاسرحيا بعد ان كان مجهول المصير، الحي الميت، وطليقها القانوني  بحكم الزمن وقهر الأيام .

طرق الباب، قلت بدأ توافد المهنئين، أسرع أبني البكريفتح، توجهت أنظارنا  لنرى من الطارق الوافد، كان مسنا غريبا، ترافقه سيدة  مسنة أيضا، قال أهذا بيت  النقيب فلان وذكر اسم طليقي، فرد ابني نعم هذا بيته،  قال نريد تهنئته بالعودة سالما ولنساله عن إبننا ...؟؟

نساله عن إبننا ...؟؟ تعني أن  مصير ابنهم مازال مجهولا ...وغير معروف ، داهمتني  شفقة وألم عليهما،  لست وحدي من عانت   بل يوجد من ما زال يعاني ... هب زوجي  واستقبلهما، رحب بهما ودعاهما للدخول، فصارا يهنئانه لسلامة عودته ، كان واضحا انهما لا يعرفا  انه ليس الأسير،  لحقت زوجي أدعوهما ، التفت  زوجي الأول  باتجاههما ، وقال وهو يتثاقل للوقوف والتوجه اليهما يشكرهما على تهنئته ، ويدعوهما للجلوس .

 ولجا وجلسا، دعوتهما  للمائدة والطعام فاعتذرا، وتأسفا لانهما أتيا بوقت طعامنا ، وهما يرجوان جوابا حول ابنهما يكون شافيا لهما، سالهما  طليقي عن الاسم ، ولما ذكراه  تبادل وزوجي النظرات، مما يدل انهما عرفا الاسم، قال الاب  عرفنا من زملائه انه كان معك بالمهمة، لا بد وانك تعرف  شيئا عنه ، بدت الحيرة والقلق على وجه  طليقي،  وكأن  لسانه لا يسعفه  ليقول ما يعرف، تدخل زوجي وقال لهما  يا عم غدا سأسال  لجنة استلام الاسرى وسارد لكما خبرا حاسما انشاء الله ، بهذا الجواب  بدت علامات الرضى على وجه زوجي  الأسير، وكرر قائلا لهما غدا انشاء الله سيأتيكم العقيد- أي زوجي -  بالخبر اليقين .

لم يتاخرا بل سريعا استئذنا وغادرا ، فاطرق طليقي الأسير وهو يردد الله يرحمه هو وفلان، والله احترت كيف انقل لهما خبر وفاته، انها لمهمة صعبة، هما قادمان على  بصيص أمل ورجاء بحياته ، بعد طول هذه السنين من الغياب والفقدان، خيرا ما فعلت  لقد انقذتني  بتدخلك،  من مهمة صعبة  على نفسي . قال له زوجي  غدا اصطحبك  للاركان وتثبت بشهادتك وفاتهما  خلال الاشتباك ، لان لوالديه حقوقا باستشهاد ابنهما .

       ما كادا يغادران حتي وصل حماي وحماتي أبو زوجي وامه، رحبنا بهما جميعا، إلا أني قلقت من كلام يقوله حماي، وأعرف موقفه المعارض لاقامتنا ببيت زوجي بعد الطلاق، فيثير  المشكلة، التى أقر بوجودها، خاصة بعد عودة زوجي الأول من الغياب بالاسر حيا ، إنما ليس وقتها الان، ولا اليوم، ولربما بعد شهرايضا ، واحتراما للاسير العائد وما كاد يصل بعد ... تمنيت لو أنهما لم يأتيا ...

تقدم حماي من زوجي الأسير، سلم عليه بحرارة ملحوظة وهنأه بالسلامة والعودة حيا، ونظر لساقه وتابع يقول  ولو معطوبا - هكذا قال دون ان يرحمه ويراعي نفسيته ومعنوياته- وتابع كأنه محضر بذهنه مسبقا ما سيقول، لقد قلقنا عليك كثيرا، خاصة أن مصيرك لم يكن معروفا  لنا ، فرحنا بعودتك الحمد الله على السلامة ، لكن تنتظرك مسائل عالقة، يجب ان نتكلم بها ونبحثها لاحقا وقبل فوات الأوان ، وحصول أية أضرار،لا سمح الله، والقى بنظره  باتجاهي، وتابع اعتقد انك تملك من الرجولة، ما يكفي لتتخذ القرارات المناسبة بشأنها...والتي تحفظ سمعة الجميع ، وعاد يرنو بنظره نحوي... لقد فهمت بقلبي وعقلي مقاصد نظراته لي .الا اني آثرت السكوت على قهر ومضض.

كان الأسير العائد، صامتا ينصت لكلام حماي، مطرقا الرأس  وكأنه يسمع ويفكر، لكن باحترام وبهدوء، ورد عليه فقال له، يا عمي أعرف الواقع  بل توقعته، ولم أتمنى لزوجتي زوجا غيري، افضل من صديقي، أبنك، وأشار لزوجي، وتابع  اطمئن أعرف واجباتي ومسؤولياتي عن أبنائي، وسأتصرف بالمناسب لكن الان  ليس بيدي أية حيلة اخرى ... اهلا وسهلا بك، يا عمي ،  أنت والسيدة زوجتك، وتفضلا بالجلوس ، بيتي بيتكم أيضا،  واسترح ولا تهكل هم  ابنك وزوجته وأولادها منه  فهما همي أيضا ، أرح نفسك واترك لي حق حرية التصرف بما هو مناسب  لكن...!! وجال بنظره موجها كلامه للجميع، إنما أعطوني الفرصة، لاستقر  ببيتي ومع اولادي...

يا الهي ها هو يطردنا،  كما طردنا ابنه بكري من قبل،عاد يتملكني الإحساس باني صرت غريبة عن هذا البيت الذي عششت  به روحي، وعشت به احلى وأسوا ايامي، اضطربت نفسي، واحترقت حشاشتي، أي مصير ينتظرني ...؟؟ غابت الرؤية عن نظري،  ثقل راسي ،  احسست بجدران الغرفة تدور بي......

استيقظت ، كنت بمشفى، قربي زوجي،

سالته  لماذا أنا هنا...؟؟

 قال  ابق هادئة  الحمد الله على سلامتك،  لا تتعبي نفسك

 سالته اين الأولاد

 قال  اطماني بالبيت.

 وأين  فلان - اقصد طليقي –

 أيضا بالبيت، يرعى الاولاد ويشرف عليهم ...

قلت بتساؤل كلهم قال طبعا كلهم...سكنت نفسي ،

 وكررت سؤالي لكن لماذا انا هنا...؟؟

قال  أُصبت بصدمة عصبية    فوقعت ارضا ، حملناك للمشفى وقرر الاطباء بقائك عدة أيام تحت اشرافهم ورعايتهم، هم ينتظرون صحوتك ليتابعوا مراقبة حالتك، ساخبرهم عن استيقاظك، وأعود سريعا.

اسرع خارجا لدقيقة ليس اكثر وعاد، ويردد الطبيب سياتي، وأمسك بيدي كعادته كلما مرضت، ويمسح على جبيني ويهدئني،

ويسألني  ان كنت  اريد أن اشرب او أن  آكل

 قلت لا شيء فقط اريد اولادي

 قال سياتون  مساء

قلت بل اريدهم الآن،

 اجاب كما تريدين ساتصل  واحضرهم ، وخرج ليتصل لكنه لم يعد بنفس السرعة، ولما عاد دخل ليس مع الأولاد ، لكن مع شخص آخر هيأته وثيابه تدل انه  طبيب، سلم على ، عرف عن نفسه أنا طبيبك فلان، الحمد الله على سلامتك السريعة، لا شك أنك جائعة ، يجب ان تأكلي ، وسريعا سياتي  الأولاد اطمئني ، نظرت لزوجي نظرة تساؤل كيف عرف اني أريد الأولاد، فهم زوجي على نظرتي فقال انا أخبرته ... عدت اسال زوجي لماذا تاخرت حتى عدت ، ابتسم الطبيب ابتسامة فرح وقال رائع ، احساسك بالوقت سليم، لقد تقصدت  ان اؤخره ، كنت انتظر منك هذا السؤال اعتقد لقد تجاوزت الخطر المحتمل، ودخل ابني الأصغر أولا، مترددا باتجاهي، وهرول خلفه الجميع وكلهم  تسلقوا السرير، يحتضنوني ويقبلوني  والبنت تلامس وجهي وجبيني  وحده بكري بقي واقفا جنبي ، قبلني وهو يهمس الحمد الله على سلامتك ماما، ادركت انهم كانوا بالخارج ،احضروهم  ينتظرون بالخارج ولم يسمحوا لهم بالدخول  الا بقرار الطبيب ، سالته اين ابيك...؟؟ لماذا لم يات ...؟؟هل وضع قدمه هو السبب ...؟؟عاد الطبيب يبتسم  ويهنئني من جديد بالسلامة وسمح ان يدخل زوجي الأول، ركض أبني البكر، قليلا وعاد يرافق أباه  ويسنده...أطلا من باب الغرفة ، سار طليقي حتى اقترب من سريري ، استند بكلتا يديه على اجناب السرير  ليثبت وقوفه وانحنى نحو وجنتي وقبلني وهو يردد الحمد  الله على سلامتك،  يجب ان تفرحي صارت عائلتك كبيرة وكلنا نحبك، لن نتخلى عنك ابدا ما دمنا على قيد الحياة... تساقطت دموعي وانا اردد وانا احبكم  جميعا ولا اقدر على فراق أي منكم .

ومددت يدي الى زوجي ان اقترب ، فاقترب مني  سحبته لي وقبلت جبينه عدة قبلات وانا أقول له كنت سندنا وستبقى سندنا ، أنت  أملي بل أملنا جميعا، قال  اطمَأني  ...اطمَأني. لن تفترقي عن أي من اولادك.

واندهش الطبيب  مبتسما سعيدا وهو يسمع الأولاد يخاطبون زوجي  بابا  ويخاطبون طليقي بابا وتتنقل عيناه بين الأولاد والابوين، فخاطبني وقال سيدتي لعلك اسعد ام بالكون فلا تقلقي ، ففهمت ان الطبيب بصورة الحال والوضع ، وتابع لقد تجاوزت  ازمتك بنجاح الحمد الله على سلامتك بامكانكم تخريجها غدا من المشفى وغادر.  

يوما إضافيا بالمشفى وغادرت يحف بي الجميع ، لأنهم جميعا حضروا لمرافقتي للبيت، كان علينا جميعا أن نتحرك بما يتناسب مع حركة طليقي الأسير، يسنده ابنه البكر، ويساعده ، قررت ان اسنده أنا، قلت لابني  أعطني فرصة لأساعده، تنحى إبني  جانبا ، أمسكت بيده ، ابتسم لي  بفرح وسعادة لا يمكن إخفاؤهما، وحف بنا الأولاد ينظرون ، هذا يلامس عكازه يريد ان يساعد ، والبنت تطلب مني التنحي لتساعده هي ، لم أعد أنا المريضة الخارجة من المشفى موضع الحفاوة  بل انصب اهتمام الجميع  لمساعدة طليقي والكل يخاطبونه بابا. وأنا اطرب كلما سمعت الأولاد يرددون بابا ...بابا.

وعاد يداهم عقلي ، لن أتخلى عنه، سأرعاه، لم أطلقه  لفشل بيننا، بل لقسوة الظروف علينا، وقهرها لنا، وسلبها لسعادتنا، حبي له مازال عامرا في نفسي ... ولن أتخلى عن زوجي أيضا فهو من الرجولة والعطف والإنسانية ما يكفي لأتشبث به وأتمسك بافضاله وأحبه حبي لحبيبي ...

لي حبيبان  هذا هو قدري، وهذه هي ارادة الله شاء من  شاء وأبى من أبى.

ودخلت عائدة لبيت عمري، حيث أختزن بكل زاوية من زواياه أفراحي وأتراحي ومآسي أيامي ، والكل فرح لتجاوزي الصدمة وثبوت سلامتي  الذهنية والنفسية، رغم قسوة الحالة النفسية التي تعرضت لها. 

بالايام اللاحقة عج بيتي بالزائرين والمهنئين ، لعودة الأسير بالسلامة، ولسلامتي من الصدمة التي تعرضت لها ، غدت قصتنا حديث الناس بل ان بعض المهنئين لم نكن نعرفهم ، بل عرفوا عن نفسهم ، انهم أرادوا تهنئتنا لانهم تاثروا بما جرى معنا، بل بعضهم كان يتوجه لي بشكل خاص ويهنئوني ليس على سلامتي من الصدمة فقط  بل على صبري وجلدي وتحمل كل تلك الأيام القاسية التي مررت بها منذ فقد زوجي، وبعضهم كان يتوجه لزوجي يحيونه على شهامته ونبله لوقوفه الى جانب صديقه بل ورعاية اسرته. بل ان احدهم اسماه المخلص، واخر اسماه بالفادي ، واخر قال الله وهبك الرحمة التي تستحقها هذه العائلة.

وزارنا بعض كبار المسؤولين بالدولة وزراء وضباط من قيادة الأركان والضباط من زملاء الأسير، ومن زملاء زوجي وكلهم غدوا برتب ومراكز قيادية  قد توافدوا يهنئون.

بل وفد زائر من رئاسة الجمهورية ممثلا رئيس الجمهورية يثني على صمود الاسير ويهنئنا بعودته  حيا سالما .

 وانوه هنا أن القيادة  رفعت الاسير لرتبة اعلى ، وأحالته للتقاعد نتيجة اصابته وصدر قرار بمنحه كامل حقوقه المالية،  مع مكافاة مجزية وتقديم دوره للحصول على  حقه بالبيت بأول توزيع قادم للشقق المنجزة، ومنح وساما رفيعا لثباته وصموده.

غني عن  البيان ان كل ذلك ، قد حسن من معنوياته، بل من معنوياتنا جميعا وصارهو مصدر افتخار لنا ، خاصة ابنه البكر، وانا ...نعم وانا ...لا زال انتمائي له حيا وعامرا في نفسي ، لا غربة بيني وبينه، يمكن ان تفرقني عنه ...كاننا جسد واحد بل ربما روح واحدة ، والغربة التي فرقت بيننا الى حد ما ، مسحت عودته حيا يرزق كل بقاياها واثارها بعقلي او بنفسي، عادت مشاعري ولهفتي له تدفعني ان افتخر به علنا وأمام الجميع وبالصوت العالي. يفضحني فرح ابتساماتي، وتراقص عيوني ، وحماستي أستقبل  مهنئين  واودع مهنئين  وكلهم ضيوفه.   

كان من بين اهم الزوار قائد كتيبته  السابق ، والذي نفذت المهمة بقيادته، وقد انتهت خدمته وأحيل للتقاعد، وغدا زوجي القائد لتلك الكتيبة، فحضر هو وزوجته وقد طالت زيارتهما وهما يتبادلان  أطراف الحديث مع الأسير  ومع زوجي عن تلك المهمة ، وظروف اسره ، وظروف التنفيذ  بتلك الأيام اما اليوم، فلا مبرر لها يكفي اطلاق طائرة درون تحلق فوق الهدف تصوره وتبث الصور مباشرة  بل وتدمره بالوقت المناسب  دون حاجة لزج الرجال خلف خطوط العدو.

كان أهم ما يقلقني بل يقلق كل الاسرة على كبرها ، الإجابة على السؤال الخطير  كيف ستستمر اسرتنا، هل تتشتت، أم تبقى مجتمعة  وموحدة ، والسؤال القاتل بالنسبة لي هل سأغادر بيتي هذا لبيت جديد او لبيت حماي  حيث تنتظرني غرفة واحدة، يصر حماي انها لاقامتي مع  زوجي، ومع اولادنا ، ويؤكد هم أحفادي وبيتي  بيتهم .

معه حق، ومنطقه سليم ولا غبار عليه من وجهة نظره كاب لزوجي وجد لأولادي منه ، وإن رفضت  هذا المنطق فلا قانونية لرفضي ، بل بأحد النقاشات حول الموضوع قال حماي  ان لم تكوني راضية بل تصرين على البقاء ببيت طليقك، فانت حرة، لكن لن تبق على ذمتنا سنطلقك، وكأنه  الآمر الناهي بمصيري ومصير ابنه الضابط المظلي والعقيد القائد ، فيضحك  زوجي منه ويقول له على مهلك يا أبي  أنا حي  ولست أسيرا، ويطمئنه سنجد حلا  ...سنجد حلا ...والحقيقة لم يكن بين يدينا أي حل قانوني شرعي  لا يشتت الاسرة. كل الحلول القانونية والشرعية ستؤدي لتشتيت الاسرة وفتح أبواب مآسى جديدة  سأكون انا ضحيتها الأولى والأخيرة، وقد لا اتحمل فاسقط ثانية بصدمة جديدة ولا انجوا هذه المرة ، كما نجوت من صدمتي السابقة.

طبعا كان طليقي  يتدخل  ويقول لا تختلفوا سأجد بيتا  وسأغادر أنا ، فيعلوا صوت ابني البكر لا  لن تغادر هذا بيت الجميع كلنا سنبقى لن ننفصل  عن امنا ولا عن اخوتنا ، ولا عن بابا ويقصد زوجي سنبقى جميعا ، فيقول له حماي  انت لا تفهم  تقول بعاطفتك وهذا لا ينفع، دعنا  نعالج الامر وانصرف انت لدراستك، فيرد عليه  ابني بل افهم اننا لا يجوز ان نحطم اسرتنا كان ابي ضائعا وقد لقيناه ، اذا يعيش معنا وبيننا ، فيقول له حماي يا بني لا يجوز هذا هو طليق أمك ، كانت زوجته وأنت  من خِلفَتِهما ، ستأكلنا الناس  باقوالهم ولعناتهم ...أنصرف لدراستك  ولا شان لك  بما نتكلم به.

كل ذلك كان يزيد العبء على نفسي، وبالواقع انا  أيضا أملك خيارات عديدة ،  وقد يتوقف عليها مصير الاسرة ومصيري ، بيدي ان  اختار البقاء  على ذمة زوجي او العودة لحبيبي  زوجي الأول  الأسير العائد بعد طول غياب ، لكن بمثل هكذا قرارات ساحطم استقرار اسرتي الجديدة والقديمة بيدي، لانني سافصل الأولاد عن بعضهم ، وحتى ان غادر طليقي لبيت آخر... سأتبعه... لن أتخلى عنه ، سأعتني به وببيته كما أعتني بزوجي وببيتي  هذا ، أنا افهم ان مصيري بل روحي غدت مرتبطة  بالاثنين حبيبي طليقي وزوجي حبيبي الثاني وسندي بل سندنا جميعا  ، فكيف اتخلى عن أي منهما...؟؟!!

 لا أستطيع ... هي الظروف  وضعتني  بمأزقي ،وعمرت قلبي بحب الاثنين، بل هي إرادة الله  ولا مرد لإرادته. وأصير أردد هي ارادة الله...هي ارادة الله... سبحانه قد اراد لي هذا الحال وعمر قلبي بهذا الحب، الذي لا خلاص لي منه.

سأعترف ...كرهت حضور حماي ، فهو لا ينفك ،يثير المسألة مع كل حضور له،  بغيابه تسير الأمور بسلاسة لا أحد يشتكي ،بل كلنا فرحين بعودة الأسير حيا ، وبمسار أيامنا مجتمعين ملتمين على بعضنا ، والأولاد كلهم تعودوا بسرعة على وجوده وهو اعتاد على شقاواتهم بل يحبها منهم ، وان ضجرت  منهم ونهرتهم ، يقول لي دعيهم ليفرحوا بأيامهم، من يعلم ماذا ينتظرهم بعمرهم، دعيهم يلعبون ويمرحون ويتشاجرون كلها ذكريات  ستكون جميلة بقادم ايامهم دعيهم... دعيهم ...فاقول  قد يزعجوك، يرد أبدا لا فرح بنفسي اكثر من فرحي بهم . حتى زوجي لا يطرح المشكلة أبدا ، ولم يناقشها معي ، بل إذا غاب مناوبا ، يعود مشتاقا لمجالسة صديقه  ولي ، يغمرني أمامه ويقبلني  ويقول انا مشتاق لك . أخجل  من طليقي ،لكني أفرح، وانا اراقبهما يتسامران ويلاعبان الأولاد ، دون اية مشكلة مما يرضيني ويريحني ، انام انا بغرفة نومي مع زوجي، وينام هو بغرفة الأولاد، بل  الصغار يتشاقون عليه قبل ان يغفوا ويناموا.

وما ان يحضر حماي حتى يبدأ النق ، هذا  وضع غير سليم ، لا يجوز ان يستمر،  الناس بدأت تلوكنا بألسنتها ،لا نريد فضائح، أصبر على مضض، الى ان صرخت به يوما ماذا تقصد بالفضائح ...؟؟ عيب كلامك هذا ولا أسمح لك ان تتفوه به ، انا كما أحترمك أحترم نفسي وإن قللت احترامي ، فأرجوك لا تحضر لبيت لا تحترم ربته. .. صُدم حماي من ردي،  بل الجميع،  فساد صمت  قاتل ، حتى الأولاد سكتوا ينظرون  لي  وأنا أصيح بحماي ...

وجم حماي ، وأطرق  رأسه للأرض عدة دقائق، اعتذر مني ، ونهض ليغادر، أسرعت اعتذر منه وقلت له يا عمي اقبل كل  كلام منك وأحترمه  لكن لا أقبل أي كلام عن فضائح ، وأنت تعرف كم كنت وفية ومخلصة لزوجي وحبيبي ، وبعد زواجي من ابنك صار هو زوجي وحبيبي أيضا وكما كنت وفية للأول تابعت بوفائي للثاني ، وأنت تعرف أنني تربيت  ببيت أهلى خير تربية، قال  والنعم منك ...والنعم منك . وخرج الرجل مهموما  بل لعله يعتريه إحساس بالذنب على كلمته غير المناسبة .

بصباح اليوم التالي ، للمشادة بيني وبين حماي ، استيقظت باكرا ، وقد أحسست بحركة غير عادية للاسير، وتبادل حديث هامس بعصبية بينه وبين ابنه البكر،  قلقت،  نهضت  مسرعة لعله يريد مساعدة  ما ، وجدته يجر شنطته، وابنه يشاكسه، ويحاول إيقافه، هو يجر الشنطة وابنه يسحبها بعكسه، ما ان احسا بوجودي ،حتى توقفا،  وتركزت عيونهم علي .

 تسائلت  ماذا يجري...؟؟

 رد ابني يريد ان يغادر وصوته مخنوق على وشك البكاء ،

 نظرت لحبيبي وسالته  لماذا...؟؟ هل ازعجناك...؟؟

 سكت ونظره مطرق للأرض.

 افاق زوجي على  الجلبة ، نهض هو الاخر سأل  ماذا يجري...؟؟

 اجابه ابني البكر  وقد بدات الدموع  تنهمر من عينيه يا ابي يريد بابا أن يغادر...!!

اقترب زوجي منه وقال له اجلس، واخذه بيده ، واجلسه وساله

 الى اين  انت ذاهب...؟؟

رد بكبرياء ، سابحث عن غرفة  استاجرها او انزل بفندق، لقد اقمت بينكم ما يكفي ولم تقصروا بحقي ، اعتقد يكفي، ولا اريد لوجودي ان يكون سببا لفضائح تتناول هذه  الانسانة النبيلة والشريفة....

اجابه زوجي ،دعك من كلام ابي، امامك الكثير وستحتاجنا ، ويجب ان تكون بيننا وقريبا منا، لقد راجعت عدة اطباء وشرحت لهم وضع ساقك وكلهم اكدوا ان وضع ساقك صعب لكن من الممكن  بالمعالجات الفيزيائية وبعض التمارين ، ان تتحسن حالك، ومن الممكن  استخدام قدم صناعية تساعد على تحسين حركيتك  لكن هذا الحل يحتاج لموافقتك، ودراسة معمقة ...على كل لا بد من اجراء فحوص عينية وصور متنوعة للساق وتدقيق الحالة بالمستندات  الطبية فلا يكفي  الشرح النظري ...اذا امامك جولات علاجية  لا يمكنك انجازها دون مساعدتنا انا  وزوجتنا - هكذا قال  لحظتها وقد فاجأني التعبير -  وتابع وأم أولادنا - فاكتملت المفاجاة-  خفق قلبي  بشدة كلام جديد ومثير،  وتابع  زوجي كلامه لذلك لن تغادر لاي مكان، وانا مقتنع بضروررة بقائك هنا  قرب زوجتنا ونصيبنا وام أولادنا شئنا ام لم نشاء هذا هو واقع حالنا، وهذا ما تتطلبه معالجتك وبعد ان تتحسن  حالك نقول كلاما اخر، وقد اتركك تغادر الى حيث تشاء ، اما بوضعك الحالي  ستبقى  معنا وبرعاية  ربة اسرتنا، ولا تلتفت لاي كلام يقال ، لاني لن التفت له.

أعتقد ان زوجي قد حسم الموقف بهذا الكلام المعلن والواضح والصريح، وخاصة لما استخدم تعابير زوجتنا، ونصيبنا، وأم أولادنا، وربة أسرتنا ، ارتاحت نفسي ، أحسست اني صرت ملكة بمملكتي ، أردت ان احضنهما الاثنين  معا وبوقت واحد ، ان اقبلهما... ففعلت  قبلت أولا زوجي وشكرته على حسن رؤيته ، ثم قبلت حبيبي وقلت له لا تعتقد أني ساقبل ان تغادر، لو لم يتدخل زوجي ويحسم الامر لكنت انا من منعتك من المغادرة ، كيف أسمح لك ان تغادر وأنا أري دموع ابننا منهمرة على وجهه، او ان دموعي منهمرة وأنت تغادر ... لا ...لا ... لن تغادر... اطمئن سارعاك  الى ان يقرر الله ارادته بعمري وعندها اترككم جميعا  لرحمة الأيام. 

 

5 - حقيقة الحقائق    

بمرور ما يقارب الشهر بعد عودة الأسير الغائب ، وقد استقر مقامه ببيتنا بل  الأصح أن أقول استقر مقامنا نحن ببيته ... استراحت نفوسنا ، وهدأت قلوبنا المضطربة، واعتاد زوجي والأولاد على وجوده بيننا، واقلع عمي/ حماي / عن النق بما يجوز وبما لا يجوز بعد المشاجرة الكبيرة التي نشبت بيني وبينه  فآثر السكوت وعدم  التحدث بالموضوع ثانية،  لكنه سكوت على مضض فما لا يقوله بلسانه أقرأه بنظرات عيونه.

وسأكون شجاعة  وأعترف ان حماي معه حق بكل ما قاله وما تقوله عيناه وتردده نظراته، خاصة لما أكون بالبيت  مرتاحة بثيابي ، تكشف بعض أجزاء من جسمي ، فألحظ امتعاضا بوجهه ، وزمة بشفتيه، لكنه يمتنع عن التعليق، استسلم الرجل لحالنا  ومسار أحوالنا، ويبدو ا أنه ترك الأمور تسير على هوانا، لكنه كان ينتظر لحظة يتوقعها ليعود ويفجر موقفه الرافض ..

يجب ان اعترف أيضا ان حماي لم يعترض على إقامة  طليقي بيننا،  يقول هذا حقه لانه ببيته ، وعليكم انتم ان تغادروه  وليس هو، ويتابع، من هذه الناحية  فان ابنه  على حق ، ليس اباه من يغادر بل انتم.

وانا اقر ان اقامة طليقي ببيتي ، بل  حبيبي  لانها الحقيقة الاثبت  من كونه طليقي، وإحساسي  أنه حبيبي وزوجي  الأساسي والاصلي، قد اعادت لنفسي مشاعر الحب واللهفة بل أضيف اليها  العطف والحنان لما مر به من عذاب وصعوبات خلال سنين الاسر، وبسبب وضعه الصحي، رغم تحسن  عافيته وامتلاء وجنتاه  فاستعاد وجهه  رونقه  واكتسب صحة وعافية واضحتين، لكن بقيت مشكلة ساقه وصعوبة سيره  قائمة، وبقيت حاجته لمساعدتي مطلوبة مني حتى لو لم يطللبها هو، وأعرف كبريائه ، لانه بكثير من احتياجاته أراه يكابر على نفسه ليقضيها بذاته  حتى لا يزيد تكاليفي نحوه...فاركض  اليه اسنده واساعده،  وكلما لمست هذا الكبرياء لديه كلما تعلقت به أكثر، وكلما حرصت على رعايته أكثر...فصار هما بعقلي وانا  بمطبخي ، لا يفارق ذهني ان يكون بحاجة لمساعدة، فاتجه  نحوه ، انظر اليه، اتفقده، اساله ان كان بحاجة ما ، ابتسم له،  واحيانا يداهمني حناني ومحبتي ، فألامس شعره بيدي وامرر راحتي على جبينه وكأنه طفلي الكبير، ينظر لي، لا يقول أي كلام، فقط ينظر بعيني، وطيف ابتسامة تشرق بلمعة عينيه ومفرق شفتيه. فاتركه وبقلبي خفق محبة، ما احلاه. 

      يغادر زوجي  لعمله  العسكري ومناوباته واستنفاراته، ويغادر ابني البكر وابنتي لمدارسهم ، فابقى انا  واولادي من زوجي واياه بالبيت ، يداعب الأولاد ويراقبهم ، وجهي بوجهه ، ولساني يحادثه وقلبي يخفق له ، ويداي تسنده وتترفق به  وبكليتي اخدمه ، احضر قهوته ومشربه ومأكله واغسل ثيابه ، وهو يشكرني  ويشكرني  ويشكرني حتى خرجت يوما عن طوري وصمتي وقلت لا تشكرني،  كنت زوجي ولا زلت زوجي بضميري، الأيام فقط فرقتنا ، لك عليّ حق، لا اؤدي لك واجبا بل انا اهواك ولن أعيش بلاك، لا اتبرع وانا اخدمك واعينك لانك، منغمس بروحي ووجداني فلا تشكرني ارجوك، فتحسسني وكأني غريبة عنك ، انا منك وانت مني  فرقتنا الأيام وعادت تجمعنا ، هي إرادة الله  لن اقاومها ولا تقاومها انت.

امسك بيدي وقال ارجوك لا تكملي ، زوجك احق مني بمثل هذا الكلام ، قلت هو يعرف كم أحبك ، ويفهمني وغير معترض على مشاعري نحوك، وغير خائف منها،  الا انني  لم اناقش واياه ذلك وهو يحترم محبتي لك ووفائي وصدقي واخلاصي لك وله .   

اتعلم يوم خطبني قال  انا احبك لذلك اطلب يدك، فكرت لثوان واجبته أنا لا احبك بل احب زوجي  لكن لانه مفقود وغير معروف مصيره  ولاني اثق بك واطمئن لك ساقبل الزواج منك.

وبمناسبة أخرى وكنت ما زلت بفترة عدتي بعد صدور قرار الطلاق ، وخلالها كنت  اتردد بين الاستمرار بقبول الزواج اوالامتناع عنه نهائيا، صدف وهاتفني، واجبته بصوت احزاني واساي   كعادتي قبل ان يخطبني، وفاجأني يسالني  ما بك...؟؟ اجبته لا شيء ، قال بصوتك وانفاسك رنة حزن  واسى ، وتابع اسمعيني لن اقبل ان تجامليني، ولا اطالبك ان تعشقيني  دون مشاعر حقيقية، فانا اقدر ظروفك القاسية ، وادرك حقيقة عواطفك سواء له او لي  لكن  اطالبك ان تكوني متصالحة مع  نفسك  وليس معي ، لانك ان لم تتصالحي مع نفسك لن تتصالحي معي  كزوج وكحبيب...  لذلك احبيه كما تريدين واحبيني كما تريدين، انا احبك لذلك طلبتك للزواج ، انا لا اتبرع  بالزواج تبرعا ، بل لاني احببتك واحببت اخلاصك لصديقي، وهذا دليل  وفاؤك  وأمانتك وحبك العميق  ودليل اصالتك، وهذا ما دفعني  لاحبك ، وما كنت لاعلن ذلك لو عاد صديقي المفقود حيا، لكن فقدان الامل بحياته وبعودته منحني فرصة التعبير عن مشاعري  لك، واطالبك ان تبادليني ذات المشاعر ان لم يكن بالايام الحالية فمؤكد بعد الزواج ، ساحاول ان أكون عند حسن ظنك ، وتاكدي انني  معك لن اتخلى عن صديقي زوجك الأسبق  حتى نعرف مصيره...  ولن أمنع قلبك من ان يحبه ...شكرته وانكرت حزني واساي  ، لاني لو قلت له ما بنفسي  أكون قد جرحته  وثبت شكوكه.

وتابعت كلامي ...هو يعرفني ويفهمني ، لا تقلق من هذه الناحية، واقر لك انه بانسانيته  وحنانه والتزامه ورجولته وشخصيته معك ومعي ومع الأولاد قد نال احترامي ومحبتي أيضا ، ولا اعرف كيف افرق بين محبتي لك ومحبتي له ، لقد أراد الله لي  ان احبكما انتما الاثنين انت  تستحق وهو يستحق وانا لا افرق بينكما، كليكما تعمرا قلبي،  وروحي متعلقة بكما واحتاجكما  وأرعاكما و لي أولاد  منكما الاثنين... فماذا أفعل بنفسي ... ؟؟  أيمكن ان لا أكون ربة هذه الاسرة أرعاها بمحبتي ولهفتي وأشواقي وأنوثتي...؟؟!!

ووجدت نفسي  أحتضنه بين يدي ، من وراء الكرسي الذي كان جالسا عليه ، أقبل وجنتيه وأشده لي ، وأضغط بنهدي على أكتافه، ودون وعي مني أطبقت بشفاهي أقبله من شفتيه قبلة محبة وغرام . وانا اتاوه  تاوه  عشقي وغرامي به.

لم يقل أي كلام... فقط  تركني أقبله ، ولما قطعت قبلتي، أمسكني من يدي وجذبني اليه  استدرت وجلست بحضنه، لأني افترضت ان هذا ما يريده ، وتركت نفسي بين يديه... احتضنني ، وهو يربت على كتفي  ويلامس شعري ويشدني إليه ...قليلا  ثم قال إنهضي لبيتك وأسرتك، أنت أصيلة ونادرة... توقعت انه يريد تقبيلي او منادمتي الا انه لم يفعل، نهضت وتوجهت لمطبخي وبنفسي رغبة لو عبر عن محبته لي بقبلة بل بأكثر من القبلة، نفسي تطلبه، وقلبي يخفق له، وجسدي يرنو لجسده ، لكنه للأسف لم يفعل حتى القبلة منع نفسه عنها.

وانا بمطبخي ، كانت نفسي فوارة  اليه ، اضبط نفسي عنه بصعوبة، بي رغبة جامحة  أن أعود احتضنه ، ان اقوده لسريري وأسلمه جسدي كما أسلمه روحي، سأجدد ذكورته، وأعيد إحيائها  بنفسه وبجسده، ولن أستغيب زوجي ، سأعلمه  اني قبلته  بمحبتي وشهوتي ، وأني عاشرته، سأخبره بنواياي اتجاهه ساقول له قررت  ان أجدد ذكورته، أريد احيائها معي، وليس مع اية امراة غيري...الم يخاطبه  قبل أيام  قائلا - امامك جولات علاجية  لا يمكنك انجازها دون مساعدتنا انا  وزوجتنا وأم أولادنا...زوجي متفهم يعتبرني زوجته أيضا ولن يعترض، ولن يخلق مشاكل، والحقيقة اني باعماقي  اعتبره ما زال زوجي ، لم يفارقني هذا  الشعورالضمني، ووثيقة الطلاق وعقد الزواج الجديد يفرضان علي ان ادفن عواطفي ومحبتي له ، وقد فعلت صادقة وهو غائب، اما وقد عاد فعواطفي نحوه حقيقة الحقائق بحياتي لن أدفنها ولن أعدمها، وأولاده  من رحمي ،شهود احياء انه اباهم بعاطفتهم نحوه وموقفهم منه، هو حي أمامي وبحاجة لمساعدتي ورحمتي ومحبتي.   الناس...؟؟ ليقول الناس ما يقولون ...خائنة...؟؟  القانون لا يعاقبني  بل يبرر لزوجي طلاقي اذا أراد، واما اذا لم يرد تطليقي بل احتفظ بي  فالقانون لا يتدخل ..يعاقبني القانون اذا عقدت بالخديعة زواجين ، وانا لم افعل هذا ولن افعله ...ما دام القانون والشرع ياباه ولا يقبله ولا يشرعه .

بل هو لن يفعل ، فانا اعرف شهامته ونبله ، حتى قبلة  لم يمنحني إياها رغم اني منحته قبلة محبتي وشهوتي  بل رغبتي فيه معي بسريري، لكنه تعفف، عفة الكبرياء والحكمة والنقاء. أعرف هو لن يقربني،  وقد لا يفعل حتى لو طلقني زوجي،  وتركني له، لا ...لا لن اقبل ان يطلقني زوجي، ولن أتخلى عن الاثنين هما حياتي وروحي وعمري وأبوي اولادي... عمري ومصيري أصبح مرتبط بهما الاثنين، ما دام قد عاد من الأسر حيا يرزق.

انا اثق بل اؤمن ان المسالة ليست حظي فقط ، بل  إنها إرادة الله ، وسأطيع ربي وإلهي  وأكون للاثنين، لقد زرع الله بقلبي محبتهما وعشقهما وهذا ما يجب أن يكون.

 

6 -  حبيبي حلالي ، حتى ... لوكان حراما...!!   

حصل ما حصل مع طليقي ، بانفعالي، تصرف عفوي مني ، ودون ارادته،  خلال غياب زوجي بدوامه، ورغم بساطة  ما حصل، باعتبارانه لم يتعدى حدود قبلة مني.

  تعفف طليقي عنها، لم يجارني اويتجاوب معي.

 المسؤولية مسؤوليتي  ان كنت مذنبة ، أو غير مذنبة،  الا اني  قررت ان أطلع زوجي على ما جري بغيابه ، ولن أستغيبه دون اعتراف، وليكن ما يكون ، سواء كنت مذنبة او غير مذنبة،  وبقناعتي  واعتقادي، فإن عاطفتي وظروفي يبرران تصرفي،  أتوقع انه سيحترم عاطفتي نحو طليقي، وسيعتبره  خطأ  وقعت به، وسيسامحني ، وهذه اقسى ردود فعله المتوقعة، قد يتفهم عاطفتي  ويتفهم ميول أنوثتي، ويتقبل  الامر بمنطق  هي زوجتنا، وام أولادنا،اليس هو من استخدم هذا التعبير...؟؟ وهذا المنطق وحده ،دليل استعداده  للتفهم وعدم الرفض العصبي والإنفعالي  المعتاد اجتماعيا بمثل هذه الحالات.

وان اعترض بشدة ، ساذكره أننا استحضرناه  بليال عديدة وانا معه بالسرير وبين يديه، ساذكره بأول  ليلة استحضرناه معا بالسرير ان كان قد نسيها..-

ليلتها ...اعترفت له اني أحيانا استحضر طليقي المفقود معي بالسرير، خاصة بغيابه مناوبا او مستنفرا، لأكون صادقة وصريحة معه، حتى لا اخدعه،  لم يعلق معترضا، سوى انه قال انا لا اريد تحطيم قلبك بل انعاشه، ولا  اسعى لقتل مشاعرك بل احترامها، بل لعل إضافة محبتك لي لمحبتك له ، أفضل ما ينعش قلبك، ما دمت صادقة مع نفسك ومعي ومعه، كلام جميل وعاقل، فاقسمت له ان محبته بنفسي وتوقي له بالسرير كاملين، كتوقي لطليقي المفقود  ولعل هذا هو سبب جمعي لهما معا  باحلامي، بل كان ذلك يزيد من رغبتي  به . وبعدها لم اعد اتردد بذكره بحضور زوجي كلما حنت انوثتي له.

وبليلة لاحقة هو من سالني، وهو يراودني  من بخيالك أنا أم هو...؟؟ فاجبته وقتها انت عن يميني وهو عن يساري، وليلتها نلت وإياه أجمل وأقوى متعنا الجسدية الشهوانية. بل مع رعشتي صرخت باسميهما.وكنت كلما صرخت باسم طليقي ينقض على بشفاهه ويقبلني بعمق.

بعد تلك الليلة، التي اعتبرها ليلة مشهودة مع زوجي ، بل لعلها ليلة عمري  صارحبيبي  كثيرا ما يرافق  زوجي بسريري بخيالي واحلامي،وبواقع  علاقتنا اثناء الممارسة ، واعترف لزوجي  فاقول له  الليلة لست وحيدا... !! فيفهم مقصدي واشعر  ان ذلك يرفع حيويته ويزيد رغبته وقوته،  بل أحيانا كان هو من  يستحضره  لي ، ويذكرني  ببعض ذكرياتي واياه ، ويسأل كيف...  وكيف...  وكيف...؟؟ وأجيبه،  وأصف له  ببعض تفصيل وجراة، فترتفع جذوة عشقنا ولهيب رغبتنا، ويقول لي فعلا انت مميزة بالسرير تماما كما كان يقول عنك ، فنقطف من  الجنس  ادفأ لذته واقوى متعته...

ساقول له لا تلمني على قبلتي هذه ، فمن كنا نستحضره بخيالنا، غدا حيا يرزق ويعيش بيننا، ومعنا بلحمه ودمه وثواني ودقائق حياته وحياتنا ، انت من تريده ان يستمر بالاقامة معنا  مثلي تماما ، يوم قرر أن يغادر، ويسحب شنطته يجرها جرا، انت من اوقفه  وقرارك ببقائه هو الذي حسم  قبوله فتراجع عن المغادرة ، ولولا حسمية موقفك ذلك ، اعتقد كان أصر وغادر .  

كل هذه الأفكار والتحليلات والذكريات قد راودتني خلال ذلك اليوم .

 واضح اني بعقلي  الباطن وعقلي الواعي كنت احضر نفسي لمواجهة موقف رافض من زوجي  فالخيال امر والحقيقة والواقع امر اخر ، وما يقبل خيالا قد يرفض واقعا بل ربما بغضب وانفعال  وعصبية، بل قد يتطور لما هو اصعب قد يقرر الطلاق مثلا، ومع ادراكي لخطورة هذه الاحتمالات، كنت احضر نفسي للدفاع وتبرير حضور وقوة عاطفتي بصدقها فانا لا اراوغ ولا اكذب ، على امل ان انجح بتخفيف ردود فعله بل واقناعه بقبول عاطفتي نحو طليقي،  مما  زاد تصميمي  للاستمرار بقرار الاعتراف.

 ساعترف  لزوجي بكل وضوح ان محبتي لطليقي لم تتبدل، رغم قبولي الزواج به،  بل هي تلتهب بجسدي، هي ليست عواطف  حب وحنان مجردة، بل رغبات وشهوات وذكريات لا تنسى. ويجب ان اعترف بهذه الحقائق ، ليكون على بينة من امره، ليتخذ قراره بوضوح  ان أراد التخلي عني ، او اراد مسامحتي ، اوأن يغض النظر، ويتركني  أعيش حياتي معهما هو زوجي، وطليقي حبيبي.

طبيعي أن يعتريني قلق، فأنا لست واثقة  تماما كيف سيكون رد فعل زوجي ، ولا رد فعل طليقي، ان سامحني زوجي ، قد يرفضني طليقي، فيكون هو الغاضب والرافض وليس زوجي  وأخشى ما اخشاه ان يعتبرها  زوجي خيانة ، تبرر قرار طلاق، وان كنت استبعد بلوغ هذا الحد من رد الفعل، الا انه راودني وخطر بعقلي وتحسبت له.

واضح الآن أني لا أمهد لتجنب رد فعل قاسى من زوجي فقط،  بل اني ساعمل لاحقا، ليقبل طليقي حقيقة محبتي له  ولزوجي بان واحد. بغض النظر سواء تجاوب مع عواطفي او تعفف عنها وعن رغباتي ، لكني أدرك  كم  هو يحبني ويريدني ، لكنه يتعفف احتراما لصديقه الذي ضحى من أجله ومن أجلي. وبقوة ارادته يمتنع عن أي تعبير بحقيقة عواطفه نحوي لا قولا ولا لمسا ولا فعلا، لكن نظراته تفضحه وتكشف خبايا نفسه وأسرار قلبه .

يجب حتى أحافظ على وحدة وتماسك أسرتي ،ان أنجح باعترافاتي للإثنين لزوجي بإخباره  وإقناعه، ولحبيبي بأفعالي ورعايتي واهتمامي به ، ولا حل بيديهما إلا قبولي كما انا صادقة بعواطفي  اتجاههما...بهذا بلغ تصميمي على الاعتراف لزوجي أعلى مستواه.

يصل زوجي عائدا من عمله بحدود الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، فصار هذا موعد تناولنا طعام الغذاء،  انجزت الطعام بحدود الساعة الثانية، استحممت، فانعش الماء نفسيتي وجلد جسدي ، وغيرت ثياب المطبخ المشبعة برائحة الطعام .

وتوجهت اجلس انتظرحيث يجلس طليقي  مع ابننا البكر، يتحادثان حول المدرسة والدراسة والدروس  وأنشطته الرياضية ويخبره أنه  ضمن فريق كرة القدم بالمدرسة ، وكيف تغلبواعلى فريق مدرسة أخرى، وما ان جلست بمواجهتهم حتى قال  ابني يعلمني أن  أباه بحاجة لهوية ضابط متقاعد حتى يتسنى له دخول نادي  الضباط وأخذنا معه... قلت ابوك ضابط/ واٌقصد هنا زوجي/ وبالخدمة بإمكاننا  ان ندخل النادي  معه ، قال أحيانا يكون ابي مناوبا او مستنفرا فياخذنا بابا، لاحظت الفرق بالتعبير بين أبي  وبابا الذي  استخدمه ابني، كما لاحظت  بساطة تفكير ابني فهو لم يستوعب  الفرق بين  الزوج والطليق، هويتعامل مع الوضع على انه طبيعي ومنطقي، له أبين، ومع ذلك أرضتني هذه البساطة التي يعالج  بها ابني الأمور بذهنه وحسب عاطفته وسنه،  وراودني انني أيضا بهذه البساطة يجب ان أعالج اموري معهما،  لن افرق بين الزوج والطليق، لانني ببساطة حبيبتهما، واحبهما الاثنين.

عدة دقائق وسمعنا هدير سيارة الخدمة  لزوجي،  وهي تهدر  قرب البيت، ودلف فرحا وسعيدا مبتسما ويوزع التحيات

ويردد سلام صديق... لطليقي

سلام بابا ...لابني

 ولي سلام حبيبتي

 وتقدم مني وقبل وجنتي، وما كاد حتى فاجاني بسؤال ...ما بك...؟؟ لست على طبيعتك ولا على راحتك...؟؟ هو حساس  يفهمني، لا يمكنني إخفاء حالتي النفسية عنه يدركها بسرعة.

 رمقت خلسة طليقي ...

 أطرق راسه بالأرض ، وكانه لا يريد ان يرى ولا ان يسمع ، اوكانه مذنب ويخجل من ذنبه...

 ادهشتني حساسية زوجي، ابتسمت  وانكرت اني لست على طبيعتي، وتابعت متهربة من أية إجابة  غير محسوبة لزوجي،  واردد يللا الطعام جاهز وناديت ابني البكر  ليساعدني، وهرولت  هاربة باتجاه مطبخي. وسمعت زوجي يخاطب طليقي غدا سنذهب  للمشفى لعرض وضع ساقك على لجنة طبية.  

من عادتنا بعد وجبة الغذاء ان نقيّل بغرفة نومنا، سبقني زوجي اليها، ترددت  هل أعلن اعترافي الان ام اؤجله لغفوة الليل، تعمدت التأخر قليلا  لأقرر...أأعترف  الان ام اؤجل  لليل...؟؟ ودون قرار محدد ولجت غرفة نومي، استلقيت بسريري  الملتصق بسرير زوجي، التفت لي، جذبني لسيره، واحتضنني ، باحتضانه  لي قررت  لم يعد مناسبا الاعتراف الان، قال حبيبتي  اتفقت مع لجنة طبية ساخذ لها غدا فلان وذكر طليقي  باسمه، ليدرسوا امكانية معالجة ساقه ، لا يمكن ترك ساقه  بوضعها الحالي، أضعف الايمان يجب ان نحاول لعل هناك أمل بتحسن حالتها...قلت  شكرا انت ملاك نزل علينا من السماء، قال أي شكر هذا...؟؟

 الم تدركي بعد موقفي منك ومنه، أعرف انك تريدين معالجته، لذلك بعض ما أقوم به انفذه لارضائك . وتابع باهتمام خاص اسمعيني...

 انا اعرف انك تحبينه وتحزنين عليه ولن تقصري بفعل أي أمر في سبيل رفع معنوياته وطمأنته بعد المصاعب التي مرت عليه...

 وجدت نفسي  من غير تخطيط ، أقول بل أعشقه، قطب حاجبيه وردد موافقا وهو يركز نظره لعيني، بل تعشقينه، قولي  ما بك...؟؟

 أنت لست على طبيعتك ...

لا أحد غيري يفهمك...

  أخبريني...

 بعينيك قلق وضياع...

 وفمك مملؤ بالكلام ...

قولي ما عندك فأنا زوجك ...

 قلت مترددة...!!

  خنتك اليوم...

 قال انت لا تخونين ، ماذا جري بينكما...؟؟

 قلت دب بنفسي حنين اليه،  خفق له قلبي بشدة، احتضنته من خلف كرسيه  قبلت وجنتيه  بالبداية،  ثم وجدت نفسي أطبق على شفتيه بقبلة هيام وغرام ملتهبة...  وسكتُّ ، كاني  اكتفيت بهذا الحد من الاعتراف... وأنتظر رد فعله...!!

 قال أكملي ...

تابعت كلامي ...

 مد يده لي، وسحبني  لامامه،  جلست على ساقه، أدفع نفسي لحضنه...!!

 ربت على كتفي

 وقال انت امراة وفية واصيلة،  لا تغادري بيتك واسرتك، ادركت  عدم تجاوبه وتعففه...

 نهضت عن ساقه وتوجهت لمطبخي، لكن بنفسي رغبة غامرة..

 لو تجاوب معي

 لو قبلني قبلة مثل قبلتي...

ها انا اعترف لك بكل صدق وصراحة  وإخلاص فأنت زوجي، لن أستغيبك وان حصل أمر بغيابك ساخبرك به دوما، وتابعت  إن اباك معه حق في مخاوفه لانه يدرك ان طليقي  يعيش بقلبي وروحي..  

وتابعت اهرج هرجا ...

انا جاهزة لكل قرار تتخذه بحقي ، لكن أرجوك لا تفرقني عن ابنائي، واتمني ان لا تفرقني عنك او عنه، الا اذا قرر هو المغادرة، وعندها  ان كان قريبا سألحقه وسأستمر برعايته ولن أتخلى عنه، حتى لو كنت أبقيتني على ذمتك ، وان صار بعيدا سيبقى بقلبي مدى عمري أصلي له.

لم أعرف من اين اتاني هذا الكلام ،لانه ليس ما فكرت به وخططته  بل قلته عفويا ، الا اني أحسست ان ما قلته مناسب تماما للحالة التي نحن بها، وحقق أكثر من مجرد الإعتراف بقبلة شهوانية.

أرضاني ما قلت بل رضيت عن نفسي ، وارتحت من قلقي  وترددي فقد قلت ما يجب ان أقوله وانتهى الامر، وانتظرت رد فعله وجوابه...

صمت، وسكن قليلا ، ثم عاد يحتضنني بشدة ، وأطبق على شفتي وهو يهامسني ، ساقبلك  عنه ذات القبلة التي اشتهيتها منه ، خذي راحتك  وتخيلي انه هو من يقبلك، واغرقني  بشهواته ، وغرقت معه بجسدي وبخيالاتي  أتوق لهما الاثنين.

بعد ان استيقظنا من قيلولتنا ، قال  كلمة واحدة...  لا تكرريها....

فهمت قصده

لم اجب  فقط هززت راسي ، قال أريد جوابا ، قلت لا اعدك وانت تعرف انني قد افشل  قال أعرف ...أعرف . تابعت لذلك لن أعدك...!!

وعلى هذا انتهى اعترافي دون مضاعفات أكثر، بل مر الاعتراف  بأمتع وأجمل مما كنت أحسب وأحتسب .

اكبرت لزوجي موقفه هذا ، وانا  اعترف لنفسي أنه المظلوم بيننا ، لكنه أكثرنا  عطاءا وحنانا ووفاءا.

      بالليل بعد  عدة أيام من اعترافي لزوجي باني قبّلت طليقي قبلة هيام وغرام.  فسامحني ونبهني كي لا اكررها...

ما ان نام الأولاد، تابعنا سهرتنا ، زوجي  وحبيبي  يتبادلان أحاديث شتى ، تارة يضحكان ، تارة يتناقشان ، بالسياسة حينا ، بالقضية الفلسطينية حينا،  والامور العسكرية حينا ...

كنت جالسة  اراقبهما، يسعدني تفاهمهما، راضية  بذلك عن حياتي وعن نفسي،  كلمت نفسي، أنا  سعيدة،  لقد تجاوزت أيام المآسي الصعاب القاسيات، ها انا الج ثانية لايام السعادة والفرح التي افتقدتها  خلال فقدان حبيبي وغيابه وأسره...

غدت  صعوباتي ذكريات ، ها هو حي امامي ببيتي مع زوجي  بين أولادي، لا توجد امراة سعيدة سعادتي  بهذه الأيام ، الفرح يغمرني، محبة  حبيبي وزوجي وأولادي تملوء قلبي وروحي ، كلهم بظل اهتمامي ورعايتي ... لعلي أعيش احلا ايامي ...

تدفقت مشاعري ، تصاعدت عواطفي ، التهبت محبتي لهما ، وانا أراقبهما أمامي بظل نظري ورعايتي ، لم احتمل بعدي عنهما... نهضت اليهما...

 قلت أوسعا لي مكانا بينكما، ابتسم حبيبي، ابتسامته الحلوة ترحيبا وموافقة، نهض زوجي  فهو الأقدر على  تلبية طلبي، سحب كرسيا، وجلس عليه، مبتعدا قليلا عني، قلت بل التصق بي ...

قرب كرسيه أكثر...

 أحسست بجسده  يلامس أجنابي...

 من ناحيتي التصقت  بأجناب حبيبي...

 مددت يدي  عانقتهما من كتفيهما ... واجذبهما لقرب راسي

وأردد أنتما حياتي وسعادتي...

وابويّ اولادي ...

هو الأسبق  لرحمي ...

وانت مالك رحمي  الان...

  وسحبت  راس زوجي الي وقبلته من جبينه...

  ومن وجنتيه...

 والتهبت  مشاعري فاطبقت على شفتيه اقبلهما بشغف وشوق واشتهاء ، ولا اترك كتف حبيبي ، بل أجذبه لي...

  قطعت قبلتي لزوجي واستدرت لحبيبي...

جذبت رأسه لي ...

 تجاوب ...

 قبلته من جبينه ووجنتيه...

 واطبقت على شفتيه بشهوات عمري وقد حرمت منه سنين طوال ...

تعودت اتفنن له  قبل اسره ، وصرت اتفنن له باحلامي وخيالاتي بعد اسره...

  وها هو بجسده وروحه  بين يدي ثانية وقد عاد حيا...

 بحضورهما

 ساتفنن لهما معا...صار لي حبيبين

  انتبهت وادركت قوة باهه ...

 ادركت بانه يتجاوب  معي  بذكورته...

 مما رفع من مستوى رغبتي وشهوتي ...

صرت ألهج واردد ...احبكما...  اريدكما... اشتهيكما...

 وأحسست  بيد زوجي تلامس صدري ،وتعبث  بنهديّ ...وحلمتيّ

صرت نارا ، ملتهبة، وسعيرا يتلوى ...

 أهذي  هذو محمومة ، خذاني ...خذاني لسريري أنا لكما  وأنتما لي ...

نهض زوجي ، متجاوبا ، اتجه لحبيبي  وامسكه من ساعده وقال ساعديني.. أوقفناه ،تجاوب معنا،  وتوجهنا به لغرفة  نومنا، هي ذات الغرفة التي شهدت سنين  زواجي من حبيبي ، وبها ذاتها أعيش ليالي عمري  مع زوجي ...وها هي ستصير غرفة نومي معهما،  والسرير سرير حبي وحياتي بحضنيهما.

زوجي حلالي ، وحبيبي حلالي، حتى لو كان حراما.   

                                                 💕💕💕💕

 

 

 

              

تعليقات

‏قال حيدر جميد…
كم هي رائعة بطلتكِ ياسدتي كم هي عظيمة تلك المرأة التي حملت هموم الحياة بلا تردد وصمدت أمام عواصف القدر بثباتٍ وحياء.. لقد رسمتِ صورة امرأة مؤمنة بحبها تذوب شوقًا تؤمن بالوفاء حتى لو تجاهلها الزمان فتربت في قلبها بذور الأمل رغم الألم.
إنها ليست بطلة عادية بل بطلة من طراز نادر تضحّي بروحها لإنسانٍ غاب عن الدنيا تزرع الأمان في أولادها، وتحتضن الرجل الآخر بكل صدق، لتكون ملجأً وملاذًا ليس لزوجها المفقود فحسب بل لصديقٍ صار شريكًا وزوجا في حياتها في ضفة الألم والرحمة معًا.

أسلوبكِ الروائي ساحر تجمعين بين الميكانيكا الدقيقة للحدث وبين اللحن العذب للمشاعر لا تجدفين في المواقف السهلة فقط بل تبحرين في عمق النفس فتجعلين القارئ يلهث مع بطلتكِ في ترددها، في ضعفها، في قوتها، في لحظات الاستسلام والتمكين ومشاهد الحب والجسد واللقاء الاخير الذي جمعهم تحت ظل سقف واحد.. كلها رُسمت بكبرياء رشيق دون أن تفقد البُعد الإنساني أو المصداقية.

أنا لم أقرأ قصة كـهذه مؤخرًا قصة تجمع بين التضحية والصمود والعاطفة بقوة وحساسية في آن واحد. لقد أحببتُها أحببتُ بطلتكِ أحببتُ أنوثتها التي واجهت القسوة والغياب بصبر لا يُدان وجعلتها محورًا لكل شيء في هذه الملحمة...

شكرا لك من الفلب ياصانعة السلام والاحتواءالعاطفي والاسري..
‏قال حيدر حميد…
في الليل يسكن القمر وتغفو الظلال
تذوب القلوب بحضنك بلا سؤال
واحد يمسك يدك بحنان وعشق خيال
والآخر يذوب في لمساتك بلا انفعال

بطلتك يا امرأة النار والحنان
تجمعين الشغف والصبر بلا أي زحام
تجعلين الجسد يروي قصة العشق والهيام
وتجعلي الروح ترتعش بين اثنين بلا احتدام

كل قبلة منك نار تشعل الفؤاد
كل لمسة منك تهز الجسد والعياد
تمشين بخفة بين الرغبة والتضحية بلا صدود
وتصنعين للحب لحظة من النشوة والخلود

في حضنك الأمان يختبئ والسرور
وفي عينيك تختبئ أعظم الدهور
وفي قلبك تولد الملحمة بلا قيود
تجمعين الحب مع الجسد والروح بلا حدود

تذوبين بين ذراعيهما بلا خوف
تحتضنين الإثنين كأنك الكون المحبوب
تتراقص الأنفاس وتختلط القلوب بلا عتاب
وتتركين في كل لمسة أثرًا خالدًا في الفؤاد

كل نبضة من قلبك شعلة لا تنطفئ
كل صوت منك صرخة عشق تتردد في الأعماق
تتحد الأرواح والجسد والروح فيك بلا حدود
وتثبتين أن الحب أقوى من كل القيود

أنت الأم والحبيبة والمرأة العظيمة
تحتضنين الجميع كأنك الحياة البهية
تجمعين الحب مع الألم والجسد مع الروح
وتتركين أثرًا في كل قلب كالنور المشرق الفاتح

يا امرأة النار والدفء واللذة
كل نفس لك يعلن أنك الملكة
كل لقاء لك يروي أن الحب الحر يخلق حياة
وأنت الحياة كلها في لحظة كاملة وجاهزة

في حضنك يولد الليل ويذوب النهار
وفي لمستك يرتجف كل قرار
تجمعين الحنين مع اللذة والوفاء
وتجعلين للحب معنى لا يزول مهما صار

كل حركة منك أغنية وكل همسة نداء
كل لمسة منك تجعل الليل مشتعل كالسناء
تمشين بين جسدين بلا قيود ولا حذر
وتجعلين للقلبين لحظة عشق تتكرر بلا انتهاء

أنت الضوء في الظلام والحرارة في الشتاء
أنت الملاذ لكل قلب مشتاق بلا انتهاء
تحتضنين الروح والجسد والعقل بلا استئذان
وتثبتين أن الحب حياة وأنوثة وانتصار
‏قال gamale halawa
الى حيدر الحيدر، اهم ما في قرائتك ان قلبك يقرا قبل عقلك. اخبرك... وانا اكتب هذ القصة ، كنت وانا اكثب بعض المواقف الحزينة والانفعالية ابكي ودموعي تنهمر على وجنتي من شدة تاثري وتجاوبي مع ما اكتب ، رغم انه من خيالي واعرف انه من خيالي، ها انا اكتشف انك ايضا تقرا من قلبك تماما كما كنت اكتب من قلبي ...
لا شك ان احساسك عال ، وعاطفتك جياشة ، هي مواهب لا ينالها كل الناس بل قلة ممن اصطفى الله قلوبهم بالصفاء والصدق.
‏قال حيدر حميد…
إلى روحكِ الكبيرة يا صانعة الحكاية

وأنا أقرأ سطوركِ الأخيرة شعرت كأني جالس قبال بطلة قصتك أراقبها وهي تختنق بالعَبرات وتُحاول أن تبدو قوية أمام قسوة الموقف... دموعها ما كانت غريبة عني لأني وجدتها بدموعكِ أنتِ، فاختلطت عليّ الدموع هل هي دمعة البطلة، أم دمعة الكاتبة، أم دمعة قلبي أنا؟

بطلتكِ يا عزيزتي ما كانت خيالًا بالنسبة لي بل كانت امرأة من لحمٍ ووجدان أحسست بارتجاف صوتها وبحيرتها بين التمسك بعهود زواجها او الاستسلام.. وها أنا أراكِ تشبهينها تبكين بصمت، لكنكِ في الحقيقة أقوى منها وأبهى، لأنكِ استطعتِ أن تمنحيها الحياة من دمعتكِ أنتِ وتجعلين لها بدل الزوج اثنان...

فلا تحزني على دموعكِ فهي ليست ضعفًا بل هي ملحُ الحكاية الذي جعلنا نصدقها وإن كان للبطلة عزاء فهو أن كاتبتها كتبتها من قلبٍ حيّ وإن كان لي عزاء فهو أني شاركت دمعتكِ ووقفتُ معكِ على نفس الضفة حيث البكاء والكبرياء يسيران معًا.

فدمتِ أنتِ وبطلتكِ مرفوعات الهامة تذرفن الدمع لا انكسارًا بل خلودًا. 🌹
‏قال gamale halawa
وايضا الى حيدر الحيدر وتلهمك قصتي بشعر عاطفي وحكمي معتبر ولقد توقفت كثيرا عن هذا الابيات
يا امرأة النار والدفء واللذة
كل لقاء لك يروي أن الحب الحر يخلق حياة
وأنت الحياة كلها في لحظة كاملة وجاهزة
لعمري هذا هو سر الزواج عن حب ، وهو الفارق الحاسم بين الزواج التقليدي والزواج عن حب